((همس الحروف) .. من الذي خسر الرهان)
☘️🌹☘️
✍️ الباقر عبد القيوم عل
سواء اعتقد الإنسان بأنه يستطيع أو لا يستطيع فعل أمر ما ، ففي كلتا الحالتين فهو محق و هو حر في ما يعتقد ، ولهذا نجد أن مسألة النجاح متعلقة بمدى قناعاته الشخصية و إيمانه بالقضية التي يصارع من أجلها ليحقق النجاح الذي ينشده فيها ، و ذلك يعتمد على عامل قوة إيمانه و مقدرته لتحقيق الهدف . و لن يتحقق ذلك إلا بإمتلاك وسائل النجاح الكافية ، و كل هذا لا يأتي بالتمني حيث يحتاج إلى بذل جهد جبار من أجل تحقيق هذا الهدف ، ولكن قد نجد بعضنا يستخدمون خيالهم ليتصوروا من خلاله النجاح بدون أن يقدموا له شيئاً و ذلك فقط من أجل جذب مشاعر السعادة المصاحبة لهذا الإنجاز من واقع الخيال
مصر و السودان خسرتا فى كسب التأييد الدولى اللازم داخل المنظمة الدولية بخصوص قضية سد النهضة ، و ذلك قد يعزى للغة التهديد الصارخة التي إنتهجتها مصر ضد إثيوبيا خلال الفترة السابقة أو التحذير الذي أطلقه وزير الري المصري من اجل زيادة مخاوف دول الاتحاد الاروبي حال تأثر الشباب من المزارعين في بلاده بالجفاف الذي سيلحق بأراضيهم و علاوة على ذلك طلب الدعم الذي تقدم به السودان لروسيا في الوقت الذي خرجت فيه روسيا من السودان بصورة لا تليق بحجمها على خلفية تغيير السودان لموقفه معها بعد الموافقة لها بخصوص إنشاء قاعدة جوية بالبحر الأحمر ، على الرغم من سير المساعي الدبلوماسية في ذات الأثناء و لكن بلغة عض الأصابع بين الثلاث دول و التي كانت تصب في نفس ماعون القضية ، في الوقت الذي كانت إثيوبيا تسير بخطوات ثابتة و إستطاعت طيلة هذه الفترة أن تضبط أعصابها تجاه ما يصلها من تهديد إلى أن أحرزت نجاحاً نوعياُ في تسويق قضيتها دبلوماسياً واستطاعت أن تعرض وجهة نظرها التي كانت مقبولة ومقنعة للكثيرين ، فهذه هي الحقيقة المؤسفة و التي يجب علينا الأعتراف بها ، و هي فشل مصر و السودان دوبلوماسياً في إدارة تسويق هذه القضية و خصوصاً للمجتمع الدولي ، و ما تحقق كان دون الطموح في جلسة مجلس الأمن بشأن قضية سد النهضة ، صحيح أن السودان و مصر ما زالا متمسكين بمبدأ الصراع من أجل البقاء ، و حيث أن المعركة ما زالت مستمرة و لم تنته بعد و لكن ما حدث يعتبر فشلاُ زريعاُ للسودان ومصر ، و نجاحاً لإثيوبيا .
هنالك سؤال مهم جداً يجب على كل من مصر و السودان أن يجيبا عليه بكل صراحة و شفافية حتي يتمكنا من علاج ما وقعا فيه من فشل إذا تبقت هنالك فرصة للمعالجة ، فهل قناعات السودان عن خطورة هذا السد كانت هي نفس قناعات مصر ، فالإجابة على هذا السؤال مهمة جداً و ستفتح لنا آفاق جادة لمسألة الحلول إذا أجابا على هذا السؤال بكل صراحة ، لأن الإيمان بالقضية يعتبر هو العنصر الأساسي في نجاح تحقيق الهدف ، فلماذا لم يتمكنا دبلوماسياً من إقناع العالم بعدالة هذه القضية ، و كما أن العالم يتابع عن كثب أنقسام الشارع السوداني الذي يحمل عدة وجهات نظر متباينة : ما بين مرحباً و مؤيداً لهذا السد و آخرون رافضون لفكرة قيامه ، و لكن كلاُ من القسمين ليس بينهما خلاف في أن الدراسات الفنية التي قام بموجبها بناء هذا السد لاغبار عليها سيما وأن المنطقة التي يقوم عليها منطقة ليس فيها أي نوع من أنواع النشاط الزلزالي ، و هذا التباين في الشارع السوداني يرجع لإفتقاره للرؤية الإستراتيجية الوطنية الموحدة في القضايا المصيرية ، حيث تتوفر هذه الرؤية في الشارع المصري بصورة أكبر من الشارع السوداني ، فالموقف السوداني يخالف نظيره المصري الذي ما زال يشكك في كثير من الأمور الفنية التي تتعلق بجسم السد ، الذي يجعل عندهم فرضية إنهيار السد ممكنة ، و على الرغم من تحفظ السودان على هذا الرأي لكنه يستبعد تماماً هذه الفرضية ، حيث لم يقر بهذه القناعة شفاهة للجانب المصري بل ظل طوال الوقت يتحدث عن ثمة خطورة تهدد الامن القومي السوداني بصيغة عامة ، و لم يحدد فيها تفاصيل هذه المسائل الفنية سيما و أن السودان قد شارك في هذه الدراسات في مراحلها الأولية و على ذلك بدأ تنفيذ العمل ، فجميع الخرط و الدراسات الإنشائية تم عرضها على السودان في وقت سابق و تمت الموافقة عليها من الجانب السوداني ، و لكن السودان لم يكن واضحاُ في هذه الجزئية بالتحديد مع الجانب المصري ، و أما موقف مصر بغض النظر عن فرضية ضعف جسم السد أو متانته فهو بالنسبة لها يشكل تهديداً لأمنها المائي ولهذا نجدها تقاتل بضراوة من أجل حفاظها علي أستتتباب أمنها .
الإهتزاز و التباين في القناعتين بين مصر و السودان جعل ثمة أثار إرتدادية جسيمة أدت إلى عجز دبلوماسية البلدين في كسب حلفاء مثل الصين و روسيا و فرنسا حيث نجحت إثيوبيا دبلوماسياً بالرغم من الظروف الأمنية المتردية التي تمر بها في إقناع العالم بجدوى مشروعها الذي يهدف إلي إنتاج الطاقة الكهربائية الرخيصة من أجل إخراج شعبها من مستنقع الفقر و التخلف وخصوصاً موقف فرنسا الرئيس الحالي لمجلس الأمن ، و
بالرغم من رؤيتنا لعدالة هذه القضية إلا أن السودان و مصر عجزا في تحقيق أي نوع من أنواع النجاح في هذا الملف ، و هذا قد يفضح هشاشة دبلوماسية البلدين ، حيث قامت إثيوبيا في هذه الجلسة بتسديد هدف الأمان الذي يضع حداً نهائياً لهزيمتها أمام الخرطوم والقاهرة في أمر تدويل هذه القضية .
إثيوبيا ما زالت تمن على الخرطوم بأنها قدمت لها خدمة عظيمة في السنة السابقة حينما داهمت الفيضانات السودان التي دمرت كثير من القرى و المدن السودانية و ذلك عبر ملئها الأول الذي حبس كميات ضخمة من المياة خلف محابيس سدها مما قلل من أثار خطورة الفيضان علي المدن السودانية حيث ما زال كثير من أفراد هذا الشعب السوداني يدينون لإثيوبيا في هذا الأمر الذي يعتبره البعض محمدة لإثيوبيا تجاه السودان ، و كذلك هنا نجد إنقساماً في الشارع السوداني حيث يحاول بعضهم تقليل أثار مخاطر الملئ الثاني على السودان إلا أنه يعتبر كارثة حقيقية للمصريين ، فالشيء الواضح هنا هو التباين مرة أخرى في القناعات المصرية و السودانية ، فهاتين الدولتين لا يوجد بينهما قاسم مشترك يتفقا حوله خلاف طريقة التشغيل التي سيدار بها هذا السد ، وحيث تعتبر إثيوبيا هذا أمراً سيادياً ليس من حق أي دولة أخري التدخل فيه إلا برغبتها .
لقد إستطاعت إثيوبيا علي الرغم من ضعفها أن تكسب ثقة مجلس الأمن ، و تمكنت من إعادة ملف هذه القضية إلى ملعب الاتحاد الإفريقى الذي نحجت فيه سابقاً في كسب مواقف معظم الدول الإفريقية إلى صالح قضيتها ، حيث إستطاعت أن تجعل أفريقيا تؤمن بأحقيتها في مياه النيل التي وهبها لها الله ، فإذن ما هي الاسباب التي قادت كا من السودان و مصر الى عدم مقدرتهما فى بناء تحالف إقليمى مؤثر فى هذه القضية ؟ ، و قد يرجع ذلك لإمتعاض العالم مبدأ التلويح باستخدام القوة ، و لهذا وجب على مصر و السودان مراجعة كل موقفهما و إعادة ترتيب بيتا دبلوماسيتهما ، و وقف التهديد و العداء اللفظي ، حيث لن يجدا التأييد الدولي لإستخدام القوة العسكرية ، و لن يستطيعا من القيام بمثل هكذا خطوة ، و ما زالت هنالك فرص ذهبية يمكن أن يتم كسبها إذا تغيرت اللغة المستخدمة إلي لغة دبلوماسية باردة مع إعادة النظر في الطريقة الدونية التي يتم بها التعامل مع إثيوبيا ، و كذلك السعي الجاد في محاولة كسب الدول التى تؤيد إثيوبيا في هذا الملف ، حتى يستطيعا أن يعدلا القراءات السلبية إلى إجابية و كسب الجولة القادمة في باحات أفريقيا إن شاء الله .