((همس الحروف).. في ليلة الواداع)
☘️🌹☘️
✍️ الباقر عبد القيوم علي
إستضاف كعادته بيت سعادة عميد سفراء العرب و سفير الإنسانية علي بن حسن جعفر سفير خادم الحرمين الشريفين بالخرطوم شخصيات من جميع طيف المجتمع السوداني في أمسية الأربعاء و التي تألقت بالحدث الذي خصص لوداع و إستقبال عدد من أعضاء السلك الدوبلوماسي السعودي ، حيث أمتزجت فيه المشاعر ما بين الفرحة بإستقبال إخوة جدد و الحزن العميق الذي جسد ذلك الإحساس المؤلم الذي يتحرك عند لحظات فراق الأحبة الذين إلتقينا بهم في رحلة هذه الحياة ، حيث أنها كانت مليئة بالفرح تتخللها بعض مطبات الحياة ، فسافر بنا الزمان عبر رحلته وهو يحرق من مخزون أعمارنا و يخصم من عدة أيامنا في هذه الفانية ، و نحن نكاد لا نشعر بحركة هذا الزمان و لا حتى نستطيع ان نقرأ من معطيات سرعته شيئاً عن بطئه أو عجلته وذلك ليس لتبلد أحاسيسنا و لكن الزمان شاطرا ، فيشغلنا بمطبات و صعوبات الحياة ، و هو يمضي بنا و يحملنا على ظهره لنجد أنفسنا فجأة على مفترق طرق تبعدنا عن من أحببناهم في سابق عمرنا ، و ما أجمل الرحيل عندما يكون بدواعي الخير و الخبط في دروب الأرزاق و لكنه بالرغم من ذلك أنه الفراق و له قسوتةٍ التي يصعب علي الكثيرين تحملها ، و خصوصاً عند تلك المنعطفات الحرجة التي تجبر الرفاق أن يغادروا بهكذا صورة ، و نحن نجد لهم العذر في ذلك لأن لديهم من الأعذار ما يجعل السفر ممكناً ، و لكن المثل السوداني يضيف إلينا أن (المفارق عينه قوية) و تفسير ذلك لأن البعض لديه من الإرتباطات الأسرية ما يوجب عليه الرحيل حينما يقوده شوق آخر بأهله يجعله يتعجل السفر من أجل الوصول إليهم ، و لكن للفراق قسوة ترق لها قلوب الرفقاء و تزرف عندها الدموع السجية ، و يهمهم الناس عندها بلغة مبهمةٍ كأنهم يتحدثون بخواطر القلوب الصامتة . فيا إخوة فيصل الذي شرب من القونقليز و العرديب وجلس علي العنقريب و دندن طرباً لود الأمين و الدولية : يعز علينا فراقكم .
وجدت كثيراً من المودعين للسيد الدكتور فيصل الشهري يسألونه من باب التأكيد بعد السلام عليه، أأنت د. فيصل ؟ ، فيجيبهم بنعم ، ، حيث أنهم لاول مرة يلتقون به في حياتهم و لكنهم كانوا يعرفونه جيداً من خلال تعامله العام و إن كان بعيداً عنهم ، و ذلك يعني أن عبارة السلام عليكم و عبارة مع السلامة تكون في نفس اليوم ، فشخصية هذا الرجل تعتبر من أميز الشخصيات النادرة التي تجيد فن التعامل الذي إستطاع من خلاله ان يكسب محبة من حوله بأدب فطري يزينه سيما وانه أتقن حرفة التعامل بفن و ذوق عالي ، و هذا الأمر يعكس لنا أهمية وجوب رعاية مثل هذه العلاقات الإجتماعية و الانسانية بين عموم الناس خارج الأطر الرسمية التي تكدر و تعيق مثل هذه العلاقات الحميمية التي تقوم بصورتها الفطرية بين الإنسان وأخيه الإنسان على مبدأ الندية بعيداً عن المصالح والمكاسب الشخصية .
هذه الجلسة العفوية في دوحة سفير الإنسانية عكست نقاط و مرتكزات الإلتقاء بين شعوب هذين البلدين الشقيقين و كشفت متانة العلاقة الأخوية و الأرضية الصلبة التي تقوم عليها هذه العلاقات الحميمية في شتى المجالات ، و ما هو معلوم بالضرورة أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون وجود شركاء معه في هذه الحياة و لذلك فهو بحاجة ماسة لمثل هذ العلاقات الأخوية التي تقوم حسن العشرة و تكون فوق المصالح و الغرض ، صحيح على الأصعدة السياسية ينشأ كثير من التباين في الأراء و السياسات حسب مصالح الدول ، و لكن مثل هذه العلاقات الإجتماعية و الإنسانية تعتبر جسر من جسور المحبة الذي تعبر فوقه كل ما يكدر صفو هذه العلاقات بين البلدين الشقيقين ، فأقول أخيراً : شكراً جزيلاً لصاحب هذا البيت الذي ظل مفتوحاً بكرم حاتمي رائباً للصدع و لامماً للشمل و مقرباً لوجهات النظر بين الفرقاء ، و كما أرحب ترحيباً شديداً يليق بفريق العمل الدبلوماسي الجديد متمنياً لهم إقامة طيبة في ربوع السودان ، و سائل الله حظاً أوفر للذين غادرونا ، و لا أحب أن أقول وداعاً لأخي د. فيصل و رفاقه بل أقول إلى اللقاء و في رحاب أوسع نلتقي إن شاء الله ، إذا مد الله في آجالنا ، فنحن لا نختار أقدارنا ، و لا اباءنا و لا أمهاتنا و لا أوطاننا ، ولا حركتنا و سكوننا .