رأي

((همس الحروف) .. وداعاّّ عله يليق بمقامك أخي يوسف سيد أحمد خليفة)

☘️🌹☘️

✍️ الباقر عبد القيوم على

لقد كشف لنا التاريخ المعاصر حجم المأساة التي نعيشها هذه الأيام و التي ما زالت مليئة بالأحداث الحزينة فلا نكاد ننتهي من خبر حادثةٍ حتّى تبدأ أخبار عدة لحادثةٍ أخرى و ذلك في سلاسل متصلة من الأخبار أكثر فظاعة من الأولى ، وكأنّما يريد التاريخ بذلك الاستعانة بتلك الأحداث من أجل الرّصد و إضافة ما هو عظيم عن سير العظماء ليدون ذلك في جوفه حتى يزيد من أعداد صفحات كتابه بقصص رجال يتشرف بوجود أسمائهم بين سطوره ، و هو لا يدري بفظاعة ما دون من أخبار سوداء ، و ذلك لأنه أبكم لا يتحدث بلسان حاله ، إنه فقط يدون بإحساس متبلد ليقرأ غيره تلك الأحداث ، و قطعاً لا يهمه بما يجره ذلك من ألم و بما يحس به الناس من بؤس و آهات ، فكم تمنيت لو توقف الزّمن عند الحد الذي لم يصلنا فيه ما يفجعنا من أنباء يشق بها صدورنا ، أو أن يجتاز هذه الفترة من غير أنّ يمرّ بها ، فما أقساه يوم كان في حياتي أن بلغني نبأ وفاة الأخ الحبيب و رفيق الدرب و القرطاس و القلم و ناضم الحرف لتقويم المعوج من القيم الأستاذ يوسف سيد أحمد خليفة .

بينما كنت أحاول جاهداً أن أتجاوز الصدمة النفسية التي كانت قد ألمت بي من جراء فقدان الأخ و الصديق و العم العزيز الطيب محمد عبد الرحمن عليه ألف رحمة من الله تنزل عليه في مرقده حتى بلغني خبر حزين آخر بعد ساعة واحدة من الخبر الأول ، مما سبب لي ذلك جرحاً نفسياً عميقاً ، و لأن هذا الجرح قد أتى فوق جرح قديم لم يبرأ بعد ، حيث ما زال يدمي ، فأتاني النبأ المحزن ليعلن لي فقدان أخ آخر و صديق عزيز من خارج الحدود بدولة الإمارات العربية المتحدة و هو أخي العزيز د ، السلال سعيد بن هويدي الفلاسي مساعد القائد العام لشؤون الإدارة بشرطة دبي ، أسأل الله لهما الفردوس الأعلى بدون حساب أو سابق عقاب ، فجميعهما يلتقيان في بياض قلبهما و إطلاق يداهما للخير من أجل سد حاجة أصحاب الحاجة ، فحينها فجعت و إنشق قلبي لذلك النبأ و حيث أنني في تلك اللحظات لم أفق من الأولى حتى اتت على رأسي الثانية ، و بينما أنا ألملم شتات نفسي و أبحث عن من يواسيني في عظم مصابي بالدعم النفسي حتى أتتني القاضية بالثالثة بنأ يوسف سيد أحمد خليفة حيث أدى ذلك إلى حدوث ضرر بالغ أثر في حجم إدراكي لما هو حولي ، حيث سبب لي ذلك أذى عظيماً في جميع حواس الإدراك عندي ، و كأنما غاب عقلي وقتها بسبب حالة الكرب التي لم أفق منها حتى هذه اللحظات .

فحينما نعى لي الناعي نبأ وفاة أخي يوسف حاولت أن أتمالك نفسي من أجل أن أكذب ما قد سمعت من خبر محزن حيث وضعني الناعي ما بين سندان الإيمان بالقدر و مطرقة نكرانه بالرغم من يقيني التام بصدقه مع إيماني التام بأن الموت حق و لا ريب فيه ، و ذلك بما يحظى به أخي يوسف من مكان خاص تتسع له جميع خلجات قلبي لتفرد له أجمل الأماكن الخضراء به ، و بما يزدحم به عقلي عن مداخل الحديث عن هذا الرجل العظيم و الفريد من نوعه ، و الذي لا يفتر المتحدث في الحديث عنه ، فمن أين إستطيع أن إبتدئ عنه الكلام و الكلمات تتزاحم عند الحديث حيث لا تمل المفردات في السباحة في بحره اللجي الزاخر الذي لا تحده حدود ، فيوسف هو يوسف حيث يعتبر الوقوف أمامه لوحة فنية متداخلة الألوان ، و أن الجلوس معه يجعلك في حديقة غناء متعددة الأزهار و في بستان غني بثماره المتعددة الأشكال و الألوان، فإنه فارس من فرسان الصحافة السودانية ونجم إعلامي سامق وشمعة من شموع الصحافة العربية المتقدة و مثالاً يحتذى به في الرأي و الكلمة و وسطية الفهم ، والصدق و الأمانة وإحترام الرأي و الرأي الآخر .

فأني أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتغمده و صديقاي اللذان إنتقلا معه في نفس ساعة رحيله في هذا اليوم المبارك من الشهر المبارك و في الليالي المباركات بوافر رحمته و تمام غفرانه ، اللهم إنا قد إحتسبناهم عندك شهداء فأكتبهم في زمرة الشهداء والصديقين وأنت أحسن الحاسبين .. اللهم إنهم قد حلوا عليك ضيوفاّ فأكرم نزلهم و أن توسع مدخلهم وأن تآنس وحشتهم و أن تقيهم عذاب القبر و فتنته يا رب العالمين ، وان تلهم جميع أهلهم و زملائهم و جميع من يحبهم الصبر والسلوان وحسن العزاء .. و إنا لله و إنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

زر الذهاب إلى الأعلى