((همس الحروف) .. قراءة حول نجاح ملتقى برطم الأول للتسامح و السلام)
☘️🌹☘️
✍️ الباقر عبد القيوم على
هنالك ثمة أناس يعيشون بيننا نتعامل معهم و يتعاملون معنا بكل أريحية و بدون تعقيدات تتصعب بها الحياة ، فنكتشف في كل يوم يمر علينا تناقضا كبيرا في شخصياتهم و سولوكياتهم تجاه الآخرين في كثير من المواقف ، فنجدهم يحبون أن تذكر أسمائهم في أي محفل أو بالمقابل يكون هذا المحفل على خطأ فادح لأنهم لم يتبنوا فكرته منذ بدايته و قد حاز بها غيرهم ، و لذلك نجدهم دائماً يعبرون عن مواقفهم تجاه أي قضية بأراء تحمل النقيض تماماً إذا لم يكونوا شركاء فيها ، و من أجل ذلم نجدهم يقومون بتقليل شأن هذه المحافل و أصحابها الذين سهروا الليالي من أجل نجاحها و أنفقوا مما يحبون عليها بهدف النفع العام حسب المثل الشعبي الذي يقول : (يا فيها أو أفسيها) ، فنجدهم دائماّ يحملون المواقف السلبية بتبني الأراء الغريبة ضد الآخرين من أجل التقليل من شأن أفكارهم دون أن يناقشوا أصل (القضية) معهم مما يشكل ذلك حاجز صد منيع ضد أي فكرة جيدة يمكن أن يكون من ورائها ثمرة يستفيد منها الناس ، فنجدهم دائماً لا يثبتون على مبدأ معين في تعاطيهم مع أمور كثيرة ، ولهذا نجد آرائهم متقلبة بصورة حربائية حسب لون المواقف ، و كما نجد تصرفاتهم بعيدة كل البعد عما يؤمنون به ويتحدثون عنه أمام الجميع ، و نجدهم في مواقف كثيرة ينتقدون غيرهم و إذا صدر منهم ذلك الفعل فلا غضاضة فيه .
لقد أصابتني حالة من الاستغراب الشديد مصحوبة بدهشة كبيرة و انا أتابع تلك الحملة الشعواء تجاه مبادرة النائب المستقل السابق أبو القاسم برطم التي تحمل إسم مبادرة سامية تقر التسامح الإنساني وفق سعة كانت أكبر من سعة البيت الإبراهيمي لان ضخامة مساحة الفكرة تتخطى إلى سوح الحوش (الآدامي) الذي يحمل سعة أكبر من الناس بإنسانيتهم عبر التعايش الديني تحت منطوق الآية 56 من سورة القصص : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين)َ و (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي)ِّ البقرة الآية 256 ، فما قام به هذا الرجل العظيم كان من المفترض أن يحمد على ما قام به لأنه أراد أن يرسل رسالة إلى العالم أجمع و قد نجح في رسالته هذه التي تقول أن الدين الإسلامي هو دين سلام و محبة و يدعو للتعايش السلمي الذي يُحرمّ كل أشكال العنصرية ، على أي مبدأ كانت و خصوصاً في السودان البلد الذي إشتهر بجمال التسامح الإنساني منذ فجر التاريخ الأول ، كما هو معلوم للجميع ، و أن أهله البسطاء يحترمون الإنسان على مبدأ الإنسانية و لا يوجد فيه أي نوع من أنواع التمييز العنصري الذي يقوم على إختلاف الأديان و كما ليس له أي علاقة بالإرهاب كما أُشيع عنه ، فلا توجد فيه أي تعقيدات بسبب تباين الثقافات و الأديان مثل ما كانت عليه الدعوة المحمدية التي إحترمت هذا التنوع الديني الذي كانت مدرسته تسير وفق نهج : (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة النحل الآية (125) ، فالدعوة المحمدية أقرت أن الدين عند الله هو الإسلام ، و مع ذلك لم تقهر أهل الكتاب وكما لم تبطش أهل قريش المشركين وعبدة الأوثان ، فلم تجبرهم على إعتناق الإسلام رغم أنهم كانوا لا يدينون بأي دين سماوي .
لقد نجحت هذه المبادرة بكل المقاييس و هذا النجاح ينصب في ماعون صاحب الفكرة سعادة النائب المستقل السابق أبو القاسم برطم و ضيفه الكرام الذين شرفوا هذا المحفل الذى برع فيه المتحدثون و حلقوا بحضورهم الأنيق في فضاءت الإخاء و التسامح من أجل التعايش السلمي بترسيخ قيم الإنتماء للإنسانية بدون تفنيط يمكن أن يجعل أمر كل المزايداد التي يتوقع حدوثها من الأرأيتية الذين يحاولون إفساد كل شيئ بدون اسباب تدعوهم لذلك و لهذا رمزوا هذا اللقاء بتحبير كل مخرجاته بعيداً عن المنابر السياسية ليخرسوا بذلك أصوات الذين لم ينالوا شرف هذا الحظ بمحاولاتهم اليائسة بالتقليل من شأن هذه المبادرة التي زعموا أنها تهافت مبتذل على موائد “التطبيع” المسمومة و لكن الواقع كذب هذه الإفتراءات التي ملأت الأرض ضجيجاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي التي كان من المفترض أن تقرب المسافات بين عمار هذه البسيطة و لكنها كانت سبباً في في القطيعة بينهم بتوسيع الفجوة التي نتجت من سوء الإستخدام الخاطئ لها ، فإذا كان هنالك بعض الذين يقفون ضد هذا التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني بالتقليل من مقاصده الكلية بإعتبار أن من قاموا به لا يحق لهم ذلك فيجب عليهم أن يعلموا جيداً أن هذه الخطوة كانت عبارة عن إمتداد طبيعي لما بدأه البشير في لقائه الأخير مع نتنياهو في تشاد ، و لا أحداً منهم يمكنه نسيان ذلك اللقاء .
فمعظم أهل السودان هم من أهل الوسط وبعيدون كل البعد من التطرف الديني و لا يحملون في صدورهم أي غل تجاه بعضهم نتيجة التبابين الديني أو العقدي ، وذلك يرجع لنقاء فطرتهم التي جبلوا عليها لانها ما زالت سليمة و نقية و تحمل في طياتها كل آيات الحب والتسامح الذي يجعل أمر التعايش بين مكونات كل هذا الشعب سهلاً و هيناّ من منطلق رؤيتة في المقاربات الطبيعية بين أفراده حسب وجهات النظر الإنسانية التي تدعم روح التعايش و التعاون بين الجميع تحت مظلة الحكمة التي تقول : (نتعاون فيما اتفقنا عليه و ليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) .