((همس الحروف) .. الجريمة التي توصف واقع الحال الذي وصل إليه السودان)
☘️🌹☘️
✍️ الباقر عبد القيوم علي
أصبحت الجريمة في شوارع الخرطوم من المظاهر المألوفة التي يجب التصالح معها وخصوصاً انها باتت منظمة و تشكل مصدر رزق لشريحة لا يستهان بها من المواطنين حيث صارت تحدث في صور متعددة من الصعب التعرف على الأساليب التي يتم بها إستدارج الضحايا و هذا ما يسوقنا إلى وجوب إصطحاب كل التدابير الواقية التي تقي الفرد من أن يكون ضحية لهؤلاء المجرمين الذين صنعتهم الحالة الإقتصادية المتردية التي يمر بها شعبنا .
في ظل حالة السيولة الأمنية التي تعيشها البلاد والتي كانت نتيجة الضعف الذي تدار به الدولة الذي ساق البلاد والعباد إلى مسغبة في هذه الأيام العجاف وحالكة السواد على الصعيد السياسي المتخبط والإقتصادي المنهار حيث إرتفعت نسبة التضخم بما يقارب 270 % وما زال المؤشر يقفز بالزانة يوم بعد اليوم ، ومازالت الحكومة تجمل وجهها بمسح مساحيق التاريخ لتجد العذر الذي هو أقبح من الذنب لتبرر به مدى فشلها الزريع في كل الملفات التي وضعت عليها يدها إلا ملف العلاقات الخارجية الذي أحرزت فيه تقدماً ملحوظاً وتشكر عليه ، إذ نجدها دائماً متعللة بأنها قد ورثت هذه الأوضاع المتأزمة من حكومة الإنقاذ ، ما زالت الحكومة تكذب حاضنتها السياسية و العكس صحيح ، و ما زالوا يكررون هذه الإسطوانة المشروخة التي عفى عليها الدهر و مل الشعب من سماعها ، و مازالوا يرفعون نسب الفقر بعجلة متسارعة مما أدى إلى تطور الجريمة كوسيلة للكسب السريع و كما إرتفعت مع ذلك نسبة التسول بصورة غير مسبوقة و هذا ما يسوق المتابع للوضع أن يوقن بأن الدولة تسوق شعبها إلى واقع مجهول و سيقذف بالشباب إلى أحضان إحتراف الجريمة المتخصصة في صور ستجسد الخيال الذي رسمه الكاتب الفرنسي المبدع موريس لوبلان الذي إستطاع بملكته الجبارة صناعة شخصية اللص الظريف أرسين لوبين ، و كل الشواهد تؤكد ذلك .
لقد حدثت أمامي جريمة و لو لا وجودي كشاهد عيان لها و حدثت كل تفاضيها أما أعيني لكذبت الراوي الذي يقوم بروايتها لي و نسبتها لراوي القصة البوليسية الفرنسي موريس لوبلان لأن أحداثها تنم عن عبقرية أكبر من حجم عقول من قاموا بتنفيذها وهذا يعد نذر شؤم لمستقبل الشباب ، ولقد دارت أحداث هذه القصة في منطقة سوق بحري في سوق الخضرة تحديداً و ضحيتها فتاة في أواخر العشرينات من عمرها نزلت من سيارتها التي كانت تصفها بالقرب مني و كانت تحمل معها طفلتها الصغيرة ، فرجعت و معها طبق بيض كانت تحمله بيدها اليمين و تحمل طفلتها بيدها اليسرى و هي تمسك بهاتفها المتحرك المتحرك بنفس اليد التي كانت تحمل بها الطفلة ، وعند باب سيارتها تحدث معها أحد الشباب وشغلها بالرد عليه من جهة اليمين بينما قام آخر بخطف هاتفها من جهة اليسار ، وهنا صرخت بأعلى صوتها فنزلت مسرعاً إليها و انا كنت أشاهد من حدث لها ، وتجمع الناس حولها تلبية لصراخها في تلك الأثناء مر بي شاب يقود موتر (دراجة نارية) فأخبرته بلحاق ذلك اللص الهارب وما كانت إلا عشر دقائق وتم القبض عليه بواسطة ذلك الشاب قائد الدراجة النارية و لقد لحقته جموع الناس الذين كانوا متجمهرين حول سيارة الفتاة ، و لقد حاول البعض ضربه ولكني منعتهم من ذلك وطلبت منه فقط أن يسلمني الهاتف الذي قام بسرقته من الفتاة وسنخلي سبيله ، و قال لنا لقد أخذه مني آخر سوف إتصل به لإرجاعه ، هنا تدخل البعض و قاموا بإدخال اللص داخل السياة و وضعوه في منتصف المقعد الخلفي وجلس آخران معه من جهة يمينه والثاني يسارة و طلبوا من الفتاة التحرك إلى قسم الشرطة والذي لا يبعد كثيراً من مكان الحادث .
حاولت منع الفتاة من التحرك من هذا المكان لخطورة ذلك عليها و قد يعرضها لجريمة أكبر من التي حدثت معها ، و قلت لها بالحرف لا تتحركي لأنك تجهلين هوية من معك داخل هذه السيارة و طلبت من الشباب النزول من سيارتها وإبقاء اللص داخلها إلى حين وصول صاحبه الذي سلمه الهاتف و ما هي إلا دقائق وتم إرجاع الهاتف ، وتم التعرف عليه من قبل الفتاة و أكدت أنه هاتفها و حمدنا الله على سلامة رجوعه ، و لكن أحداث القصة لم تنتهي بعد .
أحد الشباب والذي كان يجلس في المقعد الخلفي على يمين اللص إدعى أنه ضابط مباحث ولابد من تحقيق العدالة بإيداع هذا اللص في حراسة القسم ، فطلبت منه إبراز هويته للتحقق من إدعائه ، فخاطبني بلهجة شرسة وقال لي : من انت لأبرز لك بطاقتي و أجبته بأني مواطن و من حقي التعرف على هويتك ، هنا تدخل نفر من الحاضرين وأتهموني بأنني على خطأ وحتي الفتاة كانت تؤيدهم ونظرت لي بنظرة توبيخ ، فتنازلت من حديثي وذهبت إلى سيارتي و كنت أعاتب نفسي على تدخلي فيما لا يعنيني الشيئ الذي سبب لي بعض الحرج حينما طالبت الرجل لإبراز هويته بغرض التأكد من صحة إدعائه بأنه ضابط مباحث من أجل سلامة الفتاة .
في تلك الأثناء تحركت سيارة الفتاة متجهة إلى قسم الشرطة وهي تحمل اللص و الضابط وآخر ، و على ما يبدو إن الضابط إستطاع إقناع الفتاة أن تنزل وتركب في الكرسي الآخر و يقوم هو نيابة عنها بالقيادة لأنها كانت متوترة فوافت فنزل الضابط مسرعاً وجلس في كرسي السائق و أمسك بالمقود وترجلت الفتاة بالهوينى لتركب في الكرسي الآخر بعد ان تم إفراغه من كرسي الأطفال الذي حملته و تحركت به وهي تحمل طفلتها لتضعه في شنطة السيارة الخلفية (الظهرية) و ما ان وضعت الكرسي إلأ و تحركت سيارتها بسرعة جنونية مختفية عن الأنظار مما جعل الفتاة تصرخ مرة أخرى لم أستطع في هذه المرة التعاطف معها و تلبية صرختها لأنها لم تسمع نصيحتي مع إتهامها لي بعدم الحكمة لأنني قمت بمنعها من الذهاب الي قسم الشرطة بمعية من كان معها داخل سيارتها .
لقد ذهل الجميع بتلك الأحداث المتناسقة و المتتالية التي حدثت في ثواني معدودات و الجميع كان شاهداً عليها ومدوناً لها كجريمة حديثة متطورة على نسق جرائم آرسين لوبين لم نعهد مثلها من قبل ، و هذا نتاج طبيعي للعجز الحكومي الذي أحبط الشباب و هدم كل الدعامات التي ساقت البلاد إلى هذه الحالة وما زالت للقصة بقية تروي المأساة التي وصل إليها الشعب السوداني في ظل العجز الذي تدار به الدولة و الإقتتال على كراسي السلطة .