حين تُحارب الكفاءة … تأتي الرياح بما لا تشتهي “تاركو”

مرايا مكسورة ..
بقلم: د. ميادة الطيب البدوي – باريس
لم يكد البلاغ عن عودة إحدى رحلات “تاركو للطيران” من الجوّ إلى مطار بورتسودان ينتشر، حتى انطلقت الحملة الممنهجة التي استبقت الحقائق، وتجاهلت أبسط معايير التقييم المنصف، وانهمرت التعليقات التي لا تعرف شيئاً عن صناعة الطيران، ولا عن الطقس، ولا عن مسؤولية الطيار حين يُقدّم السلامة على الجدول الزمني.
الحادثة، ببساطة، كانت اضطراراً فنياً بديهياً في مهنة تقوم على التقدير اللحظي للمخاطر الجوية. التغيير المفاجئ في الأحوال المناخية، وسرعة الرياح، دفعت الطاقم لاتخاذ القرار الصحيح: العودة إلى المطار قبل الإقلاع الكامل.
قرار شجاع، احترافي، وأنقذ عشرات الأرواح.
لكن بدلاً من التقدير، انهالت الاتهامات: شركة فاشلة، طيارون بلا كفاءة، طائرات متهالكة… إلخ. وكأننا ننتظر الزلة، لا لنتعلم منها، بل لنُصدر الحكم النهائي بإعدام السمعة.
أنا لا أكتب دفاعًا عن شركة، بل دفاعاً عن مبدأ.
شركة تاركو للطيران ليست شركة مثالية، لكن من الظلم اختزال مشوارها، وكفاءة طياريها، في لحظة اضطرارية فرضتها الطبيعة.
والحق يُقال، إن الكابتن الذي قاد الرحلة، أظهر ما يُسمى في أدبيات الطيران بـ**“المهنية الميدانية”** — أن تعرف متى تنسحب، حفاظًا على الأرواح. لا الجميع يمتلك تلك الجرأة.
الحديث عن تاركو لا يكتمل دون أن أذكر شخصاً صار وجهاً مألوفاً، ورمزاً لشركة تحاول أن تبقى واقفة رغم العواصف — سعد بابكر أحمد محمد نور.

لا أخجل من قولي، وبكامل الوعي ، أنا من المعجبات بهذا الشاب الأسمر، الذي يحمل على كتفيه هم شركة وطنية في زمن الانهيارات، وشعره الأسود الممشط بعناية كما في الصورة التي دائماً ما ينشرها مريديه، كأنما يعكس حرصه على التفاصيل.

سعد بن شمبات… ليس مجرد إداري ناجح، بل وجه إنساني خالص.
كم من مبادرات خيرية تبناها باسم الشركة دون أن يُعلنها، من مساعدات أسر الشهداء، إلى دعم اهالي بحري و الخرطوم خلال هذه المحنة؟
هذا الرجل لا يبحث عن التصفيق، بل يعمل بصمت، ويواجه النقد بوجه مكشوف، وثقة من يعرف قدر نفسه.
في خضم الهجمات، لا نحتاج فقط إلى الحقائق، بل إلى العدالة أيضاً.
والعدالة لا تُبنى على الشائعات، بل على فهم الواقع، وظروفه، ومن يعمل لأجل الوطن… لا ضده.
ولأنني امرأة تعرف جيدًا الفرق بين “المنصب” و”القيمة”، أقول:
في زمن الوجوه المتقلبة يبقى سعد بابكر وجهاً أصيلًا من تراب شمبات ومن طين السودان.

