رأي

الحب يا (أم سماح)

الحب يا (أم سماح)

بقلم :محمد الأمين أبو العواتك

(أم سماح) حكاية متعددة النسخ لذات القصه الاثيره بما لا انتهاء له من حكايات بلادي هذه الايام فلقد عايشتها في نواحي عدة و تتبعت اثر خطاويها بامتداد الاهل والاصدقاء والزملاء من الذين تركوا الديار وفيها كل ما يملكون..
كثيرا كان ام قليل .. نجاة بحياتهم في ظروف الحرب بالغة الصعوبة التي داهمتهم فجأة و لم تختبرها الاجيال في زمان قريب .. فتفرقت خطاويهم في كل الاتجاهات بلا ترتيب مسبق في جغرافيا شاسعه داخليا وجوار أقليمي له مشاكله وقيوده وظروفه الاقتصاديه وما أصعب واقسي الحسابات بتلك الميزانيه المنعدمة والحسابات النقيض فيعيش الانسان اعظم معان الهجره في التوكل الحق والعناية واللطف فتنفتح طاقات جديده في دواخله تمثل فتوحات وسع وتنزلات رحمات ودروب جديده للعطاء الالهي الواسع إن انتبه لها وقوي من رباطها اعتناقا والتمسك بها فهي الامتن عن ماعداها.

ولانسان عاش وقتا مقدرا في جغرافيتنا المباركة مع كثير من التداخل الاجتماعي و كثيف التنقل وتعدد تجارب كسب العيش وجدتني موصول بعديد الخطاوي علي مستويات الاهل والجيران والاصدقاء والزملاء او حتي علي مستوي الاسره الواحده والتي قدر الله ان تتبعثر فتلك هي المشيئة وأقدار الله.. و الجميع تعرض لحدث واحد عظيم و قام الكل بذات التقييم واستعراض الخيارات و خيارات البدائل..و (أم سماح) كانت في قلب الحدث بعد ان سرحت بصرها وجالت الفكر مع قليل الممكن وكثير المستحيل كانت قد حددت اهدافها المؤقته و الاخيره تحركا في محطات الداخل او الخارج وتداولتها مع اهل دارها وتجدها التزمت راي رب الدار او غالب أهله حتي وإن كان علي غير رغبتها املة بانفراج في قادم المحاولات..

إن اكثر ما يشد الانسان في لحظات التمحيص هذه هو مكان مسقط الراس او البيت الكبير حنينا وقبلة طبيعيه وبالتأكيد بمرور كل هذه الاعوام و تعاقب الاجيال قد تكون اوضاعه قد اختلفت عن ذلك الزمان و الشخوص والجيره التي اصبحت رباط دم
وكل اصدقاء المشاوير النديه… كنا ذات مره نتحدث عن ما يصيب البيت تحديدا عندما يغادر صاحبه الذي قام ببناءه الحياة الدنيا فكانت هناك ملاحظة متكرره غريبه فحواها كأن البيت يحزن علي طريقته تشققا وتصدعا وتكثر عمليات صيانته! فالذي حدث وجدنا انفسنا نشهد اكبر عمليه (إعادة ضبط) بالعودة الي الجذور بلغة اهل التقنيه اليوم وكأن هذه الارض المباركة تعمل شفرتها فرزا وتتهيأ لامر نحس به و محتوم جهله إنسانها المبدل.

وإن كانت ( أم سماح) عائدة او مستقبله فلقد لزمت واجبها خدمة وسعة للاخر لانه في كثير من الاحيان تطرأ ظروف غير ملائمة فتلك حكاية الانسان واختلاف بني البشر واجيالهم التي تعيش في السنوات الاخيره رحلة من نوع خاص بعيدا عن الاصول ..
و ( أم سماح) تظل حضورا باهيا وهي تستقبل الملهوف في دارها في مدن و اطراف بلادي المختلفة بتلك الابتسامة الراضية الاصيلة والنفس الطيبة و وجدتها تفتح دارها وصالون البيت عندما تكاثر الضيوف علي جيرانها..وليس ذلك فحسب بل كان ذلك القدر اليومي للاطعام لقوافل التهجير طوال اشهر في عديد مدن بلادي بحكم تطوافي في دروب هجرتي التي كانت في نواحي عدة من عاصمة البلاد الي باديتها ثم الي وسطها في الجزيرة و في شرقها القريب والقصي في القضارف وكسلا وهيا ثم غربا الي نهر النيل وشمالا الي دنقلا وحلفا و غطيت تلك الرحلة في ما كتبت ( منارات السماحه في زمن الحرب).

او حتي إن كانت مهاجرة في دروب وعره صعيبه وهي تعبر جغرافيا بلادي الي جنوبنا الذي غادرنا في الماضي القريب ولم نتعظ بتجربته في البحث عن مايجمع لا يفرق في اول هجرة عكسية لانسان بلادي بعد الهجرات القديمه الي دول البحيرات الافريقية في يوغندا وكينيا ورواندا وتنزانيا وغيرها ..و وجدتها سبقت الجميع و تحدثني اليوم عن اسعار الايجارات في كمبالا وعنتبي وماهو الافضل للناس..
او في رحلة عبورها شرقا من (كوش السهل) التي تشهد مخاض ولادة وراثتها اخر الزمان الي (كوش الهضبة) التي انزوت عنا انفصالا في ازمنه سابقه سحيقة لذات اسباب دمار وحروب اليوم وهو امر يعلمه اصلاء اهل حفريات المعرفه الذين لاينتبه لحديثهم بل يواجهون بسخريه وعدم إهتمام بل وحرب عليهم … استقرارا في اعالي الهضبه في مدن دولها المختلفة او مرورا عبرها الي بلاد الاعراب و باقي الدنيا..و وجدتها تعد في سيرتها الذاتيه وتراجع شبكة صلاتها لاعادة التشبيك الوظيفي في سوق العمل العالمي الذي استعدت له جيدا بطموح الكورسات المتلاحقه تطويرا لذاتها كاني بها زرقاء اليمامه لهذا اليوم لتمثل التسخير الالهي المنتظر نجدة لاسرتها واهلها..
لمست ذلك وهي من الخارج تؤمن الايجار والاستقرار لوالديها وقد بلغا من العمر عتيا..

و في مختلف الاتصالات من اطراف الدنيا في كل تلك المهاجر القديمة وهن يرتبن في سبل هجرة الاخوان والاخوات والاسر والاقارب ويواصلن الليل بالنهار بكل تلك الهمة واقصي درجات الشعور بالواجب..
و شاهدت( أم سماح) كذلك في تلك الهجرة الجماعيه الحزينه بعد العدوان وذلك الموكب المهيب علي الاقدام وهي تعبر الحدود الي تشاد عبر ذلك الوادي تشيعها تهديدات الاشرار و صيحاتهم وتهديداتهم..
و كانت المح وجهها المثابر بكل تلك العزيمة والاصرار من نوافذ ارتال تلك الباصات والحافلات في كل تلك الدروب شمالا بمحطاتها المختلفة مع الاطفال والامهات والمرضي هبوطا اسفل الوادي وهو الانسياب الطبيعي لهذه الجغرافيا ونيلها والحضارة.. في همة عالية وتنظيما وحضورا وتهيئة لاستقرار الجموع في بلاد جديده..

وعايشت أصعب المواقف مع ( أم سماح) في قلب الجزيره ..والتي كتبت عنها عندما فتح حارس بوابة المدينة الطريق فجأة
لمجرم اخر..
وهم لا يختلفون في الوصف
فدخل المدينة بليل..
او حتي صباحا.. فلم يعد الامر يفرق..!
فمتي كان يخجل الاشرار ؟!
وجدوهم قد حزموا حقائبهم ورفعوها
داخل سياراتهم للمغادرة سريعا..
ومعهم اطفالهم وبعض المرضي..
كانت عدد اربع سيارات وعليها كل ما يملكون..
وهم داخل دارهم يهمون بالمغادرة
سرعان ما حاصرهم الاشرار ..
والرصاص يزمجر في المكان..
نهبو السيارات وما يملكون فيها من امتعه
وانتهروهم بحدة وجوع انسانيه بائن ..
وقلوب مقفلة او قل خواء..
بالمغادرة فورا وترك كل شئ في مكانه
كما الباقين..
بعد ان تم تجريدهم من وسائل إتصالهم و مواصلاتهم
في ليلة عز فيها النصير..
او احتجب لامر ..
فابتلعهم ظلام الليل
وهم علي ارجلهم
جنوبا
الي المجهول تتنازعهم المخاوف
يحملون هموما كالجبال
و وجدتني اعايش
وارافق
خطواتهم المتعبه
وخواطرهم..
وما يعتمل في صدورهم
في ذلك الليل الحزين الذي اخبروني فيه بالحادثه ظللنا نتتبع خطاويهم حتي وصولهم لاحدي القري الامنه جنوبا ..
و هي حكايات متعددة عن الاهل والاصدقاء في الجزيره و شمال النيل الابيض وكردفان ودارفور وغيرها ..
و ( أم سماح) تجدها دوما عند ضفاف التوكل واليقين وتلك الاجابات كلما تسأل:
الحمد لله نحن بخير
انتو .. ان شاء الله كويسين
وتتردد كلمة ..انحنا طيبين
ان شاء الله دائما طيبين..
ويكون الحال هو ذات الحال في كل مكان من واقع اقتصاديات الندره علي طريقة اهل الاقتصاد بل العدم احيانا
لكنها ( أم سماح) التي لا تنفك في ابتكار طبق اليوم الاقتصادي المشبع في بلاد الهجره او في تلك المحطات في الطريق اليها بتلك العبقرية رغما عن انف تجار الازمات الذين اضافوا الي زمان الحرب جحيما اخر لاشك انهم ملاقوه..

فما اوسع تلاحق خطاوي الاشرار
في بلادي
وما اكثر
خطاوي الاحزان
والهجرة
التي تحيلها ( أم سماح) الي وطن اينما كانت لانها تظل فينا:
شامخه
راسية
لا تهزها النوائب
شرسه عند المخاطر
علي هامتها
تاج الشرف و عزة النفس الابية
لديها كل ما يكفي من الخيرات ليس في طارئ ايام الحرب هذه
فحسب…
بل لكل دروب رحلة إستخلاف الانسان علي الارض فمن هذا الذي يطولها عطاءا واثرا وتفضيلا ؟

◾️إهداء :كلمات الراحل حسن الزبير
الحب يا ام سماح مو غي غنا وعرضه
مكتوب فوق رقاب اليابا واليرضي

يامعني العمر في عمري والومضه
ارحمي حال اسير سلم سلاحو مضي
لازمني السهاد في صحوي والغمده
والطيف العنيد عامل علي عمده

فاهك ان نطق يا عزه لا فض
فاطرك يفتري المكنون والفضه
اماتك يقولن يا الله تحفضه
وكل جامعا يلم لي غيرها ينفض

يامعين من عينيك يا
ايه يافرضه
ليه للناس عطوفه ولينا معترضه
يالوصلك محال مابتنقطف ورده
ومابصدي الاصيل لو الدهب صدي

زر الذهاب إلى الأعلى