رأي

بعد شاب دخلوه الكتاب…!



بقلم :علي عسكوري

سمعت كغيري من الناس ان قائد مليشيا الدعم السريع تقدم ببرنامج سياسي يطرح فيه افكاره وتصوراته لحل مشاكل البلاد السياسية..! وبين مصدق ومكذب لما سمعت في القنوات، عاجلنى احد الاصدقاء وارسل لى نسخة اعتقد انها مختصرة لبرنامج يشتمل على عدد من النقاط المتنوعة.
تذكرت فيما تذكرت احد مقولات قائد المليشيا “ان هدفهم… ما عندهم هدف”! ثم تذكرت ايضا تصريحات الرجل في أيام الحرب الاولى ان هدفهم هو (التخلص من قادة القوات المسلحة – قتلا او اعتقالا- ثم تطبيق الاتفاق الاطارى)، في كل ذلك لم يسمع السودانيين يوما من قائد المليشيا حديثا عن برنامج سياسي حتى بعد تمرده.

والان وبعد حوالي خمسة اشهر من القتال اكتشف الرجل من مقبرته ان له برنامج سياسي يطرحه على السودانيين…هكذا ! اذن، يقفز السؤال: ترى من اجل اى هدف كان يقاتل في الفترة الماضية التى سبقت اعلان هذا البرنامج السياسي؟ والحال كذلك، لأول مرة في التاريخ نسمع ان شخصا يبدا القتال بلا هدف محدد ثم بعد ان يريق شلالات الدماء ويعوس جنوده خرابا و نهبا وفسادا في الارض، يكتشف ان له هدف سياسي ليعلنه على الناس..! لقد كان التتار أكثر صدقا واستقامة من اوباش الالفية الثالثة، فالتتار عليهم لعنة الله، هجموا على شعوب الارض بهدف معلن وهو السلب والنهب والخراب والدمار وسبيء الجميلات من النساء وقتل الناس بلا سبب في استرخاص لحياة البشر لم يسبقهم عليه احد.. ولكنهم كانوا في بربريتهم تلك متسقين مع انفسهم، ولم يطرحوا اى (برنامج سياسي) على الشعوب التى غزوها.
اما ما حدث من اوباش الالفية الثالثة فهو لعمرى امر صادم وغريب او funny peculiar… وعليك الا تستغرب – عزيزى القارىء- فبلاد السودان هي بلاد العجائب. رجل شبه امي يحدث الناس عن الديمقراطية والفدرالية (غير التماثلية) والعنف البنيوى و (لاسيما) ان ياسر عرمان يمسك بالريموت ولا يستح في سرق لسان الموتى ليتحدث به..!
لقد ظللت اكرر على الدوام ان المجلس المركزى للحرية والتغيير هو الجناح السياسي للمرتزقة والجنجويد، و ان البرنامج المطروح هو برنامج اعده وكتبه ياسر عرمان واخرين لان ياسر متفردا لا يملك القدرات الفكرية لكتابة مثل ذلك البرنامح، وبهذا أكد من كتبوا تلك الخطرفة على العلاقة والرابط السياسي بين مليشيا الجنجويد وبين المجلس المركزى. يضاف لذلك ان صمت المركزى وعدم تعليقه سلبا او ايجابا على برنامج المليشيا يؤكد انهم من قاموا باعداد تلك الخطرفة ونشرها بلسان متمرد قضي نحبه، او صار في عداد الموتي.

المعروف في تاريخ الثورات والتمرد ان الجماعة المتمردة تطرح برنامجها السياسي اولا على الناس وتسعي لحمل السلطة على تبنيه او قبوله تجنبا للحرب وتدعو المواطنيين لتاييده والانضمام لها على ضوئه، ثم بعد ذلك تشرع في القتال ان رفضت السلطة القائمة برنامجها. اما ان تشرع مجموعة في القتال على اساس انها ستعلن هدفها من القتال او برنامجها السياسي لاحقا فهذا امر انفرد به المجلس المركزى وجناحه العسكرى.. وهو بمثابة سابقة تاريخيه تحسب لهم. تذكرت مقولة تقال عن العسكرية (نفذ وبعدين أسال)؛ وهكذا طبق المجلس المركزى ذات المبدأ (حارب وبعدين اسأل) عن الغرض من الحرب..! يعنى حارب دمر انهب واقتل (وبعدين لى قدام يمكن نلقي لينا حاجة نعملها برنامج سياسي)..!

طرح ذلك البرنامج يؤكد حقيقة واحدة وهى ان المجلس المركزى يريد ان يحول قوة عسكرية تابعة للجيش يتحتم عليها الانصياع تماما لقيادته والانضباط بنظمه، الى قوة ذات اهداف سياسية وهو امر مستحيل. بمعنى ان ممثلي المتمردين الخارجين على سلطة الجيش وتراتبيته العسكرية سيكون من حقهم التفاوض على اجندة سياسية..!

بالطبع نسي من اجترح هذه الفكرة الساذجة، ان الجيش والشعب يتعاملون مع مليشيا الدعم السريع على انها قوة عسكرية تابعة للجيش تمردت عليه ولذلك سيتم حسمها كفصيل متمرد ولن يفاوضها الجيش في قضايا سياسية ابتداء، لانها كفصيل من الجيش ليس من حقها طرح اجندة سياسية، والا اصبح لكل وحدة من وحدات الجيش الحق فى طرح برنامج سياسي! لأن السياسة شىء والتمرد على قيادة الجيش شىء اخر، وللجيش قوانين ونظم يتعامل بها مع من يتمردون على تراتيبيته. ولذلك من المستحيل ان يفاوض الجيش هذا الفصيل المتمرد في قضايا سياسية ليست هي اصلا من مهام او مسؤوليات الجيش.

من الناحية الاخرى، فكما يعلم الجميع فإن قحت تطالب بخروج الجيش من السياسة تماما حتى اصبح هذا الطلب (تابو)، وطالما كان ذلك هو موقف قحت، لماذا اذن تقبل بأن يطرح فصيل متمرد من الجيش اجندة سياسية..؟! لماذا لم تخرج علينا برفض ذلك الطرح ابتداء و تعلن ان ليس من حق المليشيا العمل في السياسة اتساقا مع موقفها (المبدىء) من تدخل الجيش في السياسة لان المليشيا حتى لحظة تمردها كانت جزءا من الجيش..! وان كانت قحت تقبل ان تطرح مليشيا الدعم السريع اجندة سياسية، يصبح، اذن من حق القوات المسلحة طرح اجندتها السياسية الخاصة بها

وعلى جماعة قحت القبول بذلك. اما ان كانت قحت جادة في خروج الجيش من السياسة، فعليها اولا، سحب البرنامج السياسي لجناحها العسكرى حتى تقفل الباب على الجيش من التدخل في السياسة.
الغباء المحكم الذى تدير به قحت تحركها السياسي يوقعها في التناقض فهى (تفلق وتداوي) كما يقال، او تفعل الشىء وضده في آن واحد وهذه أكبر خصائص ياسر عرمان، فهو الشىء ونقيضه في ذات الوقت، ولن ينفك ياسر من هذا التناقض حتى يهوى بجماعته في جرف هار، وها هو يفعل وسيفعل اكثر من صنف هذا التناقض الفظيع. بطرحهم للبرنامج السياسي لمليشيا الدعم السريع، فتح نشطاء قحت الباب على مصراعية للقوات المسلحة لتعمل في السياسة وتنغمس فيها كما يحلو لها ولا مخرج للقحاته من ذلك الا بسحب البرنامج السياسى لجناحهم العسكري. (جابوها مدردقة او مقنطرة للجيش)، وهزموا اساس طرحهم تماما.
إن في قحت لعجبا
هذه الارض لنا

زر الذهاب إلى الأعلى