رأي

بعد .. و .. مسافة

مصطفى ابوالعزائم

هذه الحرب ….

أقيم في ” أربجي” إحدى قرى الجزيرة النموذجية ، وذلك منذ اليوم السادس والعشرين من أبريل الماضي ، شهر الحرب والدمار والخراب ، تلك الحرب التي شرّدت المستقرّين ، وروّعت الآمنين ، ليس في (خرطوم الجِنّ) وحدها بل في كل انحاء السودان ، فقد عاشت الولايات المأساة من خلال التدافع غير المعهود اليها ، ومن خلال ارتفاع أسعار السلع والمنتجات إلى فوق ما يتصوره الناس في أسوأ الأحوال .
أذهب من حين لآخر إلى المدن القريبة مثل الحصاحيصا ورفاعة وود مدني ، ليس نزهةً ، بل لصلة الأرحام حيناً و ربما للتسوق أحياناً أو إلى مدينة ودمدني لمواصلة العلاج مع البروفيسور محمد الطيب عثمان إستشاري جراحة السلسلة الفقرية والعظام ، مدينة ودمدني التي لم تشهد طوال تاريخها الحديث ما تشهده الآن من زحام يمنعك من السير في شوارعها وطرقاتها الرئيسية ، وهي التي إستقبلت وحدها ما لا يقل عن مائة ألف من النازحين أو يزيدون .
والخرطوم تم إفراغها عنوةً من قاطنيها ، وتم إحتلال منازل أهلها من قبل قوات الدعم السريع ومجموعات غازية باغية ، إستباحت الحرمات ، ودمرت البنى التحتية التي كانت تحكي مسيرة نماء الدولة خلال عشرات العقود ، ومئات السنين .
ما يحدث في بلادنا الآن ليس حرباً بالمعنى المتعارف عليه للحروب ، بل هو مرحلة متقدمة من مراحل الفوضى غير المعهودة ، وهذا ما ظللت أردده لكل الأهل والأقارب والجيران والاصدقاء تحت ظلال أشجار النيم التي نقضي تحتها جل يومنا أمام منزل الأخ الكريم والشيخ والصديق العزيز الطيب أحمد الحسين الفحل ، فالكهرباء لا تسجل حضوراً محسوساً إلا لسويعات قليلة ، وقد لا يصدق أحد أن قرية نموذجية من قرى الجزيرة ، هي أربجي ينقطع فيها التيار الكهربائي في بعض الأحيان لأكثر من أربع وعشرين ساعة متواصلة ، وهو ما يجعل البعض يستحضر عقدة الهامش والمركز رغم أنها لا تبعد عن عاصمة البلاد أكثر من مائة وثلاثين كيلومتر فقط .
ما حدث ويحدث من دمار وتخريب في بلادنا ، لم تشهده من قبل ، وهنا لابد من الوقوف عند أخطر تحدٍّ واجهنا وواجه قواتنا المسلحة ، وهو الصمود وإمتصاص الصدمة الأولى ، ثم دفع الإعتداءات التي إستهدفت القواعد العسكرية والجوية بهدف السيطرة على عصب البلاد الذي يحكم ويتحكّم في الحركة والأمن ، ولعمري أنها شهادة في حق جيشنا الباسل العظيم الذي يعرف كيف يثبت ثقة الشعب فيه دائماً وأبداً .
لسنا في موقع توجيه للجيش حتى يفعل كذا أو يتجه إلى وجهة هو ادرى بها منا ، وقد برز منظّرون كثر كأنما هم خبراء عسكريون ، يوجهون وينتقدون ، ويسخطون ، ونحن نعلم إن هذا شأن أهل إختصاص ، وليس شأن عامة .
لا نملك إلا أن نقف وراء قواتنا المسلحة السودانية التي لم تخسر معركةً من قبل ، ولا نملك إلا أن ندعوا الله مخلصين أن ينصر جيش البلاد ، وأن يجنب بلادنا ويلات الحروب المدمرة ، ونحن نعلم أننا لسنا وحدنا في الميدان .. الله معنا .. وما النصر إلا من عند الله .

زر الذهاب إلى الأعلى