رأي

((همس الحروف) .. من الذي يحرك أزرار حجب المواقع والصحف الإلكترونية)

☘️🌹☘️

✍️ الباقر عبد القيوم علي

ما زلنا نبعد كل البعد عن مفهوم الحريات ، و ما زالت السلطات السودانية أياً كانت شمولية أو سلطة أتت من رحم هذا الشعب عبر ثورة جماهيرية تغرق في الدكتاتوريات و تحركها العواطف المشبوبة و الأيدلوجيات و بعض من الظنون السوداء التي تكون بدوافع غير مبررة و غير مقبولة ، و ما زال الكثيرين من أهل هذه السلطة و خصوصاً المدنيين منهم الذين كانوا و ما زالوا يطالبون بمدنية الدولة يقومون بأفعال تستحي من القيام بها الدولة البوليسية .

ما لا إستطيع أن أتخيله ما يحدث الآن من مهزلة ، و كأن المشهد الذي أمامي يأخذني كمتصفح لصفحات قاتمة السواد في ظل أنظمة غابرة ، فيكتنف سلوكها كثير من الغموض الذي إستنطق في نفسي الدهشة من هول ما حدث وذلك حينما رأيت بأم عيني من واقع مأساوي متكرر ما زال يجرنا بذواكرنا إلى عهود الظلام التي كانت تقبض فيها الدكتاتورية على أنفاس الناس بصورة لا تعرف الرحمة ، و ها هو اليوم يتكرر نفس هذا المشهد القمعي بكل تفاصيله و بنفس إحداثيات الدولة البوليسية ، و لكن الفرق بين الإثنين ، أن من كان يفعل تلك الأفعال في عهود الظلام كان يتقدم الصفوف و بكل فخر ليقول للناس أنا من فعل ذلك و لا يختبئ كما الآن تحت أجنحة الظلام كلما وقع فعل رسمي قبيح لا تقبله النفس ، فتضيع تفاصيل فاعله بين الجميع بحيث الكل ينفي مسؤوليته عنه ، و لكن ما يؤلمنا أن من قام بحجب هذه المواقع الالكترونية ما زال مجهولاً بالرغم من أن فاعل هذه الجريمة معروف جداً لدرجة إني أكاد أن أنطق بإسمه ، و إن حاول أن يخفي نفسه بين زحمة الأحداث ، و ما لا يعلمه الفاعل من واقع جهله أنه لا يدرك مدى حصافة هذا الشعب ونجابته ومقدرته على التحليل و الربط و إستنباط الأدلة التي تضع الأصبع في صدر الفاعل و تشير إليه ، وخصوصاً أن أمر هذا الحجب لهذه المواقع لا يحدث بالصدفة و كما أنه يتم عبر إجراءات فنية معينة تتم عبر أجهزة يتحكم فيها أناس معروفون بأسمائهم و يتم ذلك عبر توجيهات بصورة تراتبية معروفة ، فكيف لدولة كاملة تدس رأسها في الرمال و ينكر الجميع هوية الفاعل ؟ .

يجب أن يعي الجميع أن حرية العمل الصحفي عبر الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية من المبادي بالغة الوجوب بنص الدساتير و التي يفترض أن تراعي فيها الدولة الحقوق الدستورية عبر الأطر القانونية التي توجب عليها إعتماد الحرية كمبدأ أساسي و كحق مستحق في الممارسة الحرة للاتصال و التعبير عن الرأي الذي يبث أو ينشر من خلال كافة وسائل الإعلام المتاحة ، و خصوصاً المطبوع منها و الإلكتروني على وجه التحديد و خصوصاً المواد المنشورة عبر المواقع الإلكترونية ، و رغم عن ذلك نجد أن هذا الحجب قد طال بصورة تعسفية هذه المواقع بدون سبب قانوني من واقع المزاج الذي تحركه الإشاعات السمجة من بعض الناشطين الذين تنقصهم الخبرة في التقييم الذي يّبنى على الجهل الذي يتخلل المشهد من واقع أراء تم إستقائها من ونسات الدردشات عبر وسائل التواصل الإجتماعي ،و التي تبتديء بكذبة صغيرة ثم تتدحرج ككرة الثلج التي تكبر عندما تتدحرج على الجليد تم تنفجر بعد ان تتضخم و تتشظى لتلقى مكان لها عند الكثيرين من أصحاب العقول الخاوية الذين يتعمدون إحراج الدولة عندما يسلكون مسالك تكون سبباً في تراجع مؤشر الحريات بمخالفة واضحة لشعار الثورة الذي رفعته و كانت الحرية فيه تتصدر قلب هذا الشعار ، و حيث ترتب على ذلك سلوك قمعي قبيح سلكته الدولة بتكميم الأفواه بطريقة لا تشبه سلوك الدول المحترمة تجاه شعبها ، حيث لا تنقاد تلك الدول خلف الإشاعات التي يصدرها الجهلة من الناشطين لتوقع بها أشد الأحكام الجزاف على المفترى عليهم بدون مسوغ قانوني .

و ما هو معلوم بالضرورة أنه لا توجد قوانين خاصة بتنظيم الإعلام الرقمي في السودان ، و ما سُن من قوانين كان من أجل مكافحة الجريمة الإلكترونية فقط وليس من أجل تنظيم الإعلام الرقمي ، فنجد غياب هذه القوانين التي تنظم العمل فتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من التعسف من قبل السلطة ، و لذلك نجد غياب أسماء أصحاب الأيادي الذين يحركون مثل هذه الأعمال الشريرة في الخفاء ، ويكون بعد ذلك المتهم مجهول بالرغم من أنه معلوم جداُ ، و ذلك لأن القانون لم يحدد الأحقية التي يتم بموجبها إسناد تبعية هذه المواقع لجهة رسمية بعينها و محددة من أجل تنظيم الإعلام الرقمي ، فحتى تاريخ هذه اللحظات لا أحد يعلم بهذه التبعية التي بموجبها يكون معلوم للجميع الجهة التي تقع تحت مسؤوليتها الإعلام الرقمي بصورة مباشرة ، فالمواقع تعيش حالة من التوهان ما بين جدلية تبعيتها لوزارة الإتصالات و وزارة الأعلام ، ويرحع ذلك لغياب القانون الذي يحدد الجهة المناط بها تنظيم وجود كيانات الإعلام الرقمي بشكل رسمي .

الآن هذه المواقع المحجوبة جميعها مستوفية لكامل الشروط التي تؤهلها من القيام بالعمل الإعلامي ، و جميعها تعمل بصورة لم تخرق فيها القوانين التي تجرمها أمام القانون ، فنريد أن نعرف من الدولة لماذا و كيف تم هذا الحجب التعسفي ، و يجب أن تعرف هذه الجهات التى أصدرت أوامر هذا الحجب ، أن هنالك ثمة طرق معلومة لكل الشباب للالتفاف على الحجب يمكن أن يسلكه المحجوبون و المتصفحون سوياً ، و الممنوع مرغوب ، و لهذا يجب على الدولة أن ترعى شبابها في الضوء حتى لا ينموا في الظلام حيث تنعدم الرؤية و يتنمروا فيما بعد عليها و الإنقاذ تقف خير شاهد في خسارتها لشريحة الشباب في ذلك الأمر ، فيجب عليها أن تسمح للجميع بالتعبير عن رأيهم ، حتى إذا كانوا غير مهنيين ما لم يستخدموا هذه الفضاءات بصورة مغلوطة ، و عند الضرر يمكن أن يلجأ المتصرر لنيابة المعلوماتية لأخذ حقه وفق الأطر القانونية .

نحن في السودان دائماً نشهد تداخل في الإختصاصات ولكن ما يحيرني أريد أن أعرف حتى أرفع عن نفسي الجهل ، ما هو الرابط العجيب الذي ربط بين النائب العام و حجب هذه المواقع و جعله يتصدر هذا المشهد ، و ما هو معلوم أن النيابات لا تتدخل في المواضيع إلا وفق بلاغ معين وبرقم معروف يسجل في كل أضابيرها يبحث في جريمة وقعت في التاريخ و لا تتدخل في نوايا المستقبل ، وكما أضيف على ذلك كيف وضعت الإتصالات نفسها في هذا المحك الحرج بدون أي سند قانوني ، و من الممكن أن يجرها هذا الفعل إلى المحاكم إذا إستفحلت الخسائر على أصحاب هذه المواقع و الصحف الرقمية و الإلكترونية ، و لذلك يجب علينا إحترام التخصصات التي تلزم كل مسؤول أن يستغل الزمن الذي يتلقى من ورائه راتبه فيما يخص إدارته المعنية في أعمال مؤسسته التي يتبع لها الرسمية و أما إذا كان مضطراً لتلك المهام التي ينجز فيها أعمال غيره فيجب عليه أن يكون ذلك بعد فراغه من الأعمال الضرورية التي ينتظرها كامل هذا الشعب و يكون ذلك وفق الأطر القانونية المعروفة التي تتوفر فيها جريمة وشاكي ومتهم ونيابة و قاضي .. والله من وراء القصد .

زر الذهاب إلى الأعلى