رأي

((همس الحروف) .. والي نهر النيل وفقدان البوصلة)

☘️🌹☘️

✍️ الباقر عبد القيوم علي

من أعظم المنح الربانية لعباده هي أدب التعامل و المعاملة وترتقي هذه المنحة لتحيز على تعريف الدين كاملاً بها كما ورد ذلك في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم : (الدين المعاملة) و هذا يعتبر أكثر تعريفاً مختصراً يوضح مقاصد الدين الإسلامي الذي يدعو إلى حسن المعاملة واصفاً ذلك في كلمتين مقرونتين ليس بينهما ثالث ليفصل بينهما ، و أول أبواب هذا المعاملات تبتديء بحسن الخطاب و قد قيل لإعرابي : ( تحدث كي نعرفك) لأن لغة الخطاب هي التي تعرف الناس عن كنه المتحدث ، وإحسان الخطاب يعرف الناس عن البيئة التي تربى فيها و ذوقه وخلقه ، و مقدار ما إكتسبه من علم ، ولهذا كانت من موجهات السنة المحمدية في الدعوة إلى حسن الحديث و لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا أراد أحدكم أن يتحدث ،فليقل خيراً أو ليصمت ) .

فمن أدب الخطاب هو محاولة أن توصل صوتك الى المخاطب بذوق شديد يوجب عليه إحترامك مهما كان موقفه منك و هنالك من القصص التي وردت في هذا الشأن ، فيحكى أن إمرأة شديدة الحياة تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت له : يا أمير المؤمنين لقد مشت جرذان بيتي على العصا ، وكانت تريد أن تقول كادت أن تموت من الجوع ففهم مغزى كلامها دون أن تشرح له عن درجة عوزها الذي بلغت منه مبلغاً ، فقال لها : لقد ألطفت في السؤال و لا جرم لأردنها تثب وثبة الفهود وملأ بيتها قمحاً وشعيراً .

و أيضاً كذلك ورد في أدب الخطاب و كان في بيت هارون الرَّشيد حزمةٌ من خيزران ، فقال لوزيره الفضل بن الرَّبيع: ما هذه ؟ فرد و قال : ( هذه عروقُ الرِّماحِ يا أَميرَ المؤمنين ) ، فإستحى أن يقول له حزمة من الخيزران تأدباً لموافقة هذا اللفظ اسم أُمِّ هارون الرّشيد (الخيزران بنت عطاء) ، و كذلك ورد عن أحد الخلفاء الذي قام بسؤال ابنه من باب الاختبار و قال له : ما جمع مِسواك ؟ فأَجابه الإبن بالأَدب الرَّفيع الذي ينم عن سلامة التربية وعظم المربي فقال له يا ابي أن جمعه لفظ: (ضدُّ مَحَاسِنُك) ، ولم يستطع أن يقل له : “مَسَاوِيك” لأَنَّ الأَدبَ قوَّمَ لسَانَهُ و حَلَّى طِبَاعَه ، وهكذا كان ولاة الأمر في لغة الخطاب مع الناس بدون أن يفرضوا ذلك بهيبة سلطتهم في حوارهم مع الناس أو حوار الناس معهم ، لأنهم أتوا من أجل تقويم المعوج .

حقيقة لقد فجعت وما زلت مفجوعاً بحديث والي ولاية نهر النيل الذي خرج عن أدب الخطاب الذي أدهشت به المستمعين عبر الراديو ، و لقد كان حديثها لا يشبه نعومة النساء و خصوضاً أنه صدر من إمرأة كنا نطن فيها الخير و ما زلنا ، إذ أتى هذا الحديث و هو يحمل قدراً من الوعيد و الظلم الذي ساقها لسانها إليه و أجزم أنها كانت لا تقصد ما نطقت به و خصوصاً أنها من بيت يتشرف الجميع بالإنتساب إليه لأنه بيت لم يكن من بيوت الظالمين ، بيد أنها تمثل رأس هرم السلطة بولاية تشتهر بمكارم الأخلاق ولكنها لم تكن موفقة في حديثها إلى قاعدتها الذي إبتدرته بيمين مغلظ كادت أن تؤيده بيمين الطلاق المعلق على نهج قادة نظام الإنقاذ الذين فتقوا آذاتنا بمثل هذا القسم المغلظ ، وكانت تتحدث عن بشريات هذا العام الجديد لتفضح به عن عور فكرها في تصفية خصومتها ، إن كانت لها خصومة تستوجب هذا الحديث الذي لا يليق بها وخصوصاً أنها دائما تعرف نفسها بأنها كنداكة ، و علماً أن الكنداكات لا يظلم في بلاطهن أحد ، فكانت متوعدة بمقصها الذي تريد أن تقص به أرزاق الله عن عباده التي قسمها عليهم ، فتصل بذلك إلى حد الفجور في خصومتها لتصرح بأنها سوف تكون سيفاً بتاراً يقطع رأس أي (كوز) عن وظيفته و لو كان شريفاً قواماً صواماً و مصلياً ، و لقد غلظت في قسمها الإسترجالي وزادت بقولها حتى إذا (حاز على هذه الوظيفة بالحق فلن أتركه في وظيفته) وهذا ما إستوقفني في حديثها الذي يعتبر ظلماً بواح لأنها تريد أن تقتلع من وصل الى هذا المنصب بحقه ، وفي هذه اللحظات نجدها قد إستنصرت بالظلم الذي خلقه الله و لكن حرمه على نفسه وجعله محرماً بيننا وأمرنا بألا نتظالم ، فكيف لهذه الوالي المسترجلة و التي لا يحملها على هذا الحديث إلا (السلطة) التي زينت من قبل لمن سبقوها في الحكم من الكيزان ، و ما تقوم به الآن في ظل دولة القانون يعتبر مخالفاً لمبادي ثورة الشعب التي كان شعارها حرية ، سلام ، و عدالة ، و كما تعتبر مخالفة لقانون الأرض و السماء ، وهذا السلوك الذي توعدت به الناس ينم عن إفتقارها حتى لأدب الجزارين الذين أوجبت عليهم السنة أن يخفوا أدوات الذبح عن المذبوح و أن يحسنوا ذبحه إن فعلوا .

و من العجائب التي حملت هذا الوالى على ركوب هذه الموجة الكرتزونية التي منحتها الجرأة الرجولية التي تحدت بها الكيزان و لا ضير في ذلك إن لم تتبرع من نفسها لتزيد في قولها وإن كان (الشريف الرضي) الذي يصلي ويصوم ويكف نفسه عن إذاء الناس ، و لقد حاصرت نفسها بما لا تملك و قالت لأنهم كانوا يجلسون في مؤسسات ويشاهدون الظلم ويسكتون عليه كما تفعل هي الآن ، وبهذا فقد أعطت ضعافهم شرف التمتع بأخلاق النبوة عند روية المنكر الذي يوجب على المؤمن أن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن خشى على نفسه فبقلبه وهذا أضعف الإيمان الذي جعل صغار الكيزان يستنكرون الظلم بقلوبهم خشية على أنفسهم و حرصاً على أرزاقهم .

أما الآن يا سعادة الوالي فأنت تتربعين في كرسي الحاكم العادل والذي يفترض ألا يكون ظالماً و خصوصاً أن ولايتك ولاية كرم و تسامح و نخوة و رجولة ، فكان يجب ألا يكون حديثك قاهراً للرجال ، وظالماً لأصحاب الحقوق لانك قلتي : (وإن وصلوا الي هذه المناصب بحقهم) و كنا نرجو منك أن تكوني مناصرة للشرفاء ومدافعة عن الحقوق ممهما كان إنتماء أصحابها .

فأنت الآن من قادة هذه الدولة الذين يجب عليهم أن يغيروا المنكر بقوة اليد لأنك تمتلكين السلطة الكافية التي تمكنك من وقف كل الأفعال التي تخالف القانون ، و كما تستطيعين رفع الظلم الذي وقع على كثير من أهل السودان ، فهل لك أن أبديتي رأيك في تأخير تنفيذ حكم القانون في قتلة الشهيد أحمد الخير ؟ ، أو تحدثتي عن قتلة الشهيد حنفي ؟ و أسمائهم يكاد ملح الأرض أن ينطق بها ، و سكتي ولم تبدي رأيك في قتلة الشهيد بهاء الدين و كل الناس يعرفونهم بإسمائهم ، و لو سألتي أصغر طفل في ولايتك لأخبرك من هو الذي فض الإعتصام ، ولماذا لم يحاكم أي فرد من النظام السابق حتى الآن ولماذا سكتي عن قول كل هذا الحق مثل ما فعل صغار الكيزان و هم جلوس على كراسيهم الضعيفة داخل مؤسسات الدولة ولم يمتعض لهم وجه لذاك المنكر ، فما الفرق بينك وبينهم ؟ هم و أنت جلستوا في السلطة تشاهدون الظلم ولم تمتعض وجهكم للباطل ، فلماذا تسكتين عن قول الحق وانت على رأس السلطة ؟ ، وكنا نريد أن تفصحي فقط بلسانك و ليس بفعل يدك في نفس هذه الإذاعة التي توعدت فيها الشريف الرضي كما كان وصفك لهم بقطع أرزاقهم و لتعلمي أن التاريخ لا يرحم يا سعادة الوالي ، و أن الأمر كله بيد الله و ليس بيدك و كما لن تستطيعي أن تقطعي رزق أي إنسان منحه له الله له ، و إن كانت الأرواح والأرزاق معلقة بيدك ، و لتعلمي أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأن للمظلوم دعوة لا ترد في الدنيا لا يرها الله تعالى ويرفعها فوق سبعة حجب ، وكما تقول الحكمة : (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق )وها أنت الآن ساكتة عن هذا الظلم العظيم الذي وقع أمامك فيما ذكرت لك ، و على أقل تقدير إستنكري ذلك ذلك و أشيري إلى أسماء من فعلوه و لا تسكتي عن قول ذلك فتكوني كما ورد في الأثر : (الساكت عن الحق شيطان أخرس) .

زر الذهاب إلى الأعلى