جَنَى النِيم

بقلم: علاء الدين يوسف سيد أحمد
الجانب القاتم .. المسكوت عنه
دائماً ما تراودني ذكريات أيامنا السعيدة في الخرطوم، وجلساتنا في “السلام” التي سُلبت منا صباحاً بدري، لتفتح أمام مداركنا جانباً ظلّ قاتماً ومظلماً، كنا نسمع به، لكن لم نتوقع يوماً أن نعيشه ونتعلم منه.
كلما تذكّرت تلك الأيام، وأنا جالس في مكتبي في مقر صحيفة الوطن، يتوافد عليّ الزوار والإعلاميون الأصدقاء من كل ألوان الطيف، لأن الوطن كانت وطناً مصغراً، الكل مرحب به، والكل يحس بأنها ملكه.
كانت تربطنا علاقات مميزة مع كل مؤسسات الدولة، وأغلب مندوبي الإعلانات في المؤسسات الحكومية تربطهم صلات وثيقة مع “د. آمنة بت الناجي”، بالرغم من أنها “كانت بتعصر عليهم في العمولة”، إلا أنهم كانوا يعتبرونها أختاً لهم. وعندما يحتد الاتفاق بينهم على العمولة، يأتون إليّ لطلب الوساطة، وأحياناً أنجح، وأحياناً لا.
في أحد الأيام، وأنا في دوامة العمل بحكم منصبي الإداري في الصحيفة، أتت إليّ أخت صحفية زميلة، ومعها مدير إعلانات إحدى الشركات الحكومية، التي آلت إدارتها إلى إحدى الحركات المسلحة. استقبلتهم بكل صدر رحب، ولكن لاحظت أن الرجل “مدير الإعلانات” كان (زعلان كده ومتضايق). لم أستفسر منه حينها عن سبب ضيقه، وقلت في نفسي: (“يمكن في جريدة من الزملاء نقصوا ليهو العمولة بتاعته”)، ولم أهتم كثيرًا بالأمر. علمت منهم حينها بأنهم كانوا في جولة على كل الصحف للتعرف على الرجل وخلق علاقات مع المؤسسات الإعلامية. وكان يحمل في يده “فلاش” به إعلان لتلك الشركة، فأعطاني إياه لنشره في عدد الغد، وذهب إلى حال سبيله.
خرجت وراءه أختنا الصحفية لإيصاله إلى الباب، ثم رجعت إليّ وفي وجهها استغراب وامتعاض شديد. فسألتها:( “في شنو؟؟! والزول دا مالو؟!”)
قالت لي باستغراب: (الزول دا زعلان، قال لي: “كل الجرايد إداراتها وملاكها من الشماليين!!”)
فقلت لها: (“إنتو مشيتوا وين أصلو؟”)
قالت:( “مشينا السوداني لقينا أخونا عطاف، ومشينا أخبار اليوم لقينا عاصم البلال، ومشينا التيار لقينا عثمان ميرغني، ومشينا الوفاق لقينا رحاب طه… ) والزعل الأكبر لما جينا هنا وشافك! قال لي: (إنتو حتى الشفع بتاعنكم ماسكين جرايد!!)”.
استغربت جدًا حديث الرجل حينها، وربما لم أصدق أختنا الصحفية في ذلك الوقت، بالرغم من أنها من أنبل وأفضل الصحفيات اللائي مررن علينا في الوطن.
تذكرت هذه القصة خلال أحداث وتبعات تعيين حكومة كامل إدريس الجديدة، وكيف أن الهجمة كانت في وجه الشماليين بعنصرية بغيضة جدًا، بالرغم من أن رئيس الوزراء قال إن الحكومة ستكون من الكفاءات. ورغم ذلك، هبَّ في وجه أهل الشمال ناشطو الحركات سبًا وقذفًا وظلمًا.
العنصرية البغيضة هي سلاحهم الوحيد عندما لا يجدون “شماعة” للطمع وحب السلطة.
رسالتي لهذا الشخص، وأنا متأكد بأنه سيعرف نفسه:
أنت لا تعلم كيف بُنيت هذه الصروح الصحفية… بُنيت بالاعتقالات، والضرب، والإذلال، والقمع… بالسهر، والمال، والصحة.
وكفى.
يسعدنا إنضمامكم إلى مجموعة “الوطن” واتساب من خلال الرابط أدناه …


