
كتب/ عبدالله عمسيب
..
أهلنا…
لا صوت لهم ولا مشورة إلا في بيوتهم، مزارعهم، ومتاجرهم. يحفظون حقوق الجوار، يكرمون الضيف، ولو كان غريبًا لا يعرفونه.
حلمهم بسيط…
أن يربوا أبناءهم ويعلّموهم، أقصى أمانيهم أن يكون الأول مهندسًا يشيد لهم دارًا، والثاني طبيبًا يداوي علّاتهم، والثالث موظفًا يضمن دخلاً حلالًا يحفظ لهم عزة الحياة.
نفيرهم ليس نداءً فارغًا، بل فعلٌ يشهد به كل من عرفهم.
يجتمعون لتنظيف الشوارع، لبناء بيت لعريس جديد، لتمهيد الحيضان للزراعة، لصناعة الطوب الأخضر. لا تحتاج أفراحهم وأتراحهم إلى دعوات رسمية، فالكل مدعو وكشوفات المال والمساهمة تخرج تلقائيًا، يدٌ تمتد لتعطي دون حساب. مدارسهم تقوم على الجهد الذاتي، فصلًا بعد فصل، تبرعًا بعد تبرع، والكهرباء كذلك، من المحولات إلى الأعمدة وكيبلات التوصيل، وحتى المياه، يحفرون آبارهم، يشترون الطرمبات الرافعة، يشيدون خزانات تخزن لهم الحياة.
ورغم كل هذا…
وُصفوا بأنهم أصحاب امتيازات! اتُهموا بأنهم مركزٌ لنهضةٍ قامت على أنقاض غيرهم! لكنهم لم يطلبوا يومًا امتيازًا ولم يسعوا إلا لعيشهم الكريم.
وما كان جزاؤهم؟
تُؤخذ أموالهم ضرائب لتُسلَّح بها الجيوش ضدهم، وتُجيّش الميليشيات لسحقهم، تُنهب بيوتهم، يُهجَّرون قسرًا، يُقتَلون بدمٍ بارد!
ولكن حين بلغت الامور ما بلغت … تبدل الحال! استعادوا أرواحهم القديمة، نبشوا سيوفهم الصدئة، لم تعد التبرعات تذهب للمدارس والمشاريع، بل لجلب السلاح وحماية الأرض. تحولت المدارس إلى معسكرات تأوي كل لاجئٍ إليهم، ومطموراتهم فُتحت للمحتاج، تكيل وتزن من قبضات العيش.
ثم…
لم يعودوا في موقف الدفاع فقط..
امتطوا عرباتهم، طاردوا الغزاة، قلبوا المعادلة! والتاريخ يقف مدهوشًا… أي انتصارٍ يسجّل أولًا؟ بالكاد يفرغ من نصر حتى يداهمه آخر.
عندها فقط، طرح كاتب هذا التاريخ سؤاله: ما الذي أيقظ هذا المارد؟
ما الذي حرّكهم؟
ببساطة… الوعي، الأرض، العرض، العزة
من ولد عزيزا لا يقبل ان يزل
وان الارض لن يحررها الا اصحابها