رأي

ياتو عملية سياسية..!

على عسكوري
٢٠ يوليو ٢٠٢٤

كلما جاء الحديث عن منبر جدة وترتيبات خروج المليشيا من بيوت الناس ومراكز الخدمات والمؤسسات الحكومية، سربت مجموعة المركزي خبرا بضرورة مشاركتها للشروع فيما تسميه ب (العملية السياسية) هكذا..! رغم انها لم تشرح ابدا للناس ماذا تقصد ب (العملية السياسية)!ولماذا يكونوا هم جزءا منها ابتداء..!

وهم اذ يطلقون هذه التسريبات يعتقدون مخطئين ان بإمكانهم الجلوس الى قادة القوات المسلحة والتفاوض معهم على عودتهم للسلطة عبر اتفاقهم الاطاري مع بعض الرتوش والبهارات والمشهيات..!

قصد هولاء النشطاء وعملاء الاجانب ان يتناسوا عن عمد ان العملية السياسية مستمرة ولم تتوقف لحظة، لأن الحرب في جوهرها عملية سياسية محضة.
لقد غامر المجلس المركزي بجناحه العسكرى للاستيلاء على كامل السلطة والدولة منفردا لاقصاء خصومهم السياسيين وتفكيك القوات المسلحة وسحق الاسلاميين، وفشل! ولهذه المغامرة تكاليف باهظة عليهم تسديدها.
كانت تلك اذن عملية سياسية فاشلة وعليه يتوجب عليهم تحمل تكلفة الفشل وما تبع ذلك من استباحة كاملة لعاصمة البلاد وانتهاكات واسعة النطاق لحرمات المواطنيين.

جاهل من يعتقد ان مليشيا الدعم السريع كانت ستقدم على مواجهة الجيش دون موافقة مجموعة المركزى فنحن- كما يقول المثل السودانى:” كان ما متنا شقينا المقابر”!

كانوا متأكدين من امر استيلائهم على السلطة بقوة السلاح وزعموا كما راج في الوسائط انها (عدة ساعات فقط)، بل حددوا تواريخ لتشكيل الحكومة، و انزروا الجيش وخصومهم اكثر من مرة بالويل والثبور وعظائم الامور، بل قام جناحهم العسكرى بإغتيال اثنين من الضباط في مدينة نيالا في رسالة واضحة باعلان الحرب، ثم تلى ذلك ان قام نائب قائد المليشيا في اغرب سابقة باصدار(اوامر) للقائد العام: (سلم السلطة فورا وبدون لف او دوران)! وكانت تلك سابقة صادمة ان يصدر ضابط (خلا) اوامر للقائد العام للجيش…! مثلت تلك استفزازا غير مسبوق لتراتيبية القوات المسلحة. وما يمكن استنتاجه من تلك (الاوامر) ان الرجل كان قد حصل مسبقا على الضوء الاخضر من جماعة المركزى للاستيلاء على السلطة بالقوة وان الامر قد حسم، وان لم يستجب القائد العام لتلك (الاوامر) فإن الحرب واقعة، اذ انه من غير المنطقي ان يصدر ضابط (خلا) مثل تلك (الاوامر) على الملاء ان لم يكن قد حسم امره باتخاذ خطوة حمقاء وحاسمة. لقد كانت تلك اللحظة هى لحظة التمرد الحقيقية ولحظة اعلان الحرب.

بلاحظ ان جماعة المركزى التزمت الصمت المطبق ولم تعلق على تلك(الاوامر) الرعناء وتمرد نائب قائد لمليشيا كبيرة العدد والعتاد على القائد العام وعلى تراتيبية القوات المسلحة.
صمت جماعة المركزى صمت القبور على (اوامر وتعليمات) نائب قائد جناحهم العسكري، ثم خرجوا على الناس ليقولوا ان الجيش او الاسلاميين بدأوا الحرب. فالحرب لم تبدأ عند غزوة مطار مروى بل بدأت فعليا عند اغتيال ضابطين عظيمين في نيالا ثم تمرد الفريق (خلا) عبد الرحيم دقلو المعلن عندما اصدر تلك (الاوامر) للقائد العام للقوات المسلحة.

لكل ذلك، فالثابت ان جماعة المركزى اختارت استمرار العملية السياسية عن طريق القتال، ورأت ان السيطرة على الدولة بكاملها يمكنها من خصومها ويخلوا لها الجو ل( تبيض وتصفر)!
يعلم الشعب السوداني ان العملية السياسية مستمرة الان على قدم وساق، والحقائق على الارض تقول ان الجناح العسكري للمجلس المركزى قد خسرها، ومن يخسر (العملية السياسية) اما ان يذهب للمعارضة- ان كانت له قواعد تسمع له- او يعتزل العمل السياسي برمته. اما ان كان قد تورط في جرائم فالقانون هو الفيصل.

خلاصة القول، لا يمكن لمن قام جناحه العسكرى بالتمرد وشن الحرب على الدولة وعلى المواطنين أن يشارك في مفاوضات…! يفاوض من.. وعلى ماذا! وهو خاسر مدحور..! ان ما يمكن ان تتفاوض عليه جماعة المركزى وجنجويدها هو الاستسلام التام دون شرط، و من ثم مواجهة العدالة. في غير ذلك فستستمر (العملية السياسية).

من واقع تجربة ستة عقود ونيف في ادارة الصراع السباسي فان (التربيت) والترضيات، و(المعلشة) هي ما افضت بنا الى ما نحن فيه من حرب وفوضي وانتهاكات صارخة لحرمات وحياة المواطنين و مؤسسات الدولة. ان مسؤولية اجيالنا التاريخية اولا وقبل كل شيء هي الحفاظ على الدولة وحماية مجتمعنا وصون كرامة المواطنين وحرماتهم والدفاع عن حقهم في الحياة الكريمة في بلادهم، لن يتحقق هذا الا بالحسم والحسم الناجز لكل من حاول هدم الدولة و تسبب في قتل المواطنين وتشريدهم في فجاج الارض دون ذنب.
على الذين يسعون للمشاركة في منبر جدة من جماعة المركزي مواجهة العدالة اولا وتنظبف صحائفهم، قبل ان يحدثوا الناس عن عملية سياسية، وكأنهم لم يتسببوا في مغامرة هلاك الامة وضياع الوطن.
و(العملية السياسية) مستمرة.. ومن ينتظر جثة الشعب السوداني مثل ماينتظر جفاف النيل
هذه الارض لنا

زر الذهاب إلى الأعلى