رأي

علاقة زيارة الوفود الخارجية إلى السودان بالمتغيرات الاستراتيجية

علاقة زيارة الوفود الخارجية إلى السودان بالمتغيرات الاستراتيجية
بقلم د. محمد عثمان عوض الله

خلال الخمسة أشهر الأخيرة، ركزت قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني على مدن معينة، مثل: الابيض، بابنوسة، الفاشر، الدلنج، معسكر سلاح المدرعات في الخرطوم، سلاح الإشارة في بحري، اذا اضفت لها مقر القيادة العامة، ستجد أن النتيجة الكلية لتلك المعارك الاتي:
1/ استطاع الجيش أن يكسر القوة الصلبة للمليشيا.
2/ بلغ عدد قتلى المليشيا أكثر من 300 الف قتيل.
3/ اكتملت الإدانة العالمية للمليشيا بسبب الجرائم وتكاد تصنف كمنظمة إرهابية. كما أن الجهود تتواصل لإحالة ملفها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
4/ اكتملت إدانة دولة الامارات من داخل الكونغرس و كثير من المؤسسات الحكومية الأمريكية والأوروبية والقنوات والصحف الإعلامية العالمية، كما تمت محاصرتها سياسيا واعلاميا بشكوى السودان.
5/ تنصل عدد كبير من قبائل الرزيقات والمسيرية والبني هلبه وغيرهم من القبائل، وتنصلوا من أي علاقة انتماء بالمليشيا ومن قادتها واستطاعوا سحب كثير من ابنائهم من صفوف المليشيا.
6/ التفاف كامل للشعب السوداني خلف جيشه وتقديمة لأكثر من نصف مليون متطوع للقتال مع الجيش.
7/ فقدان المليشيا لأي هدف تقاتل من أجله (بعد أن كانت تريد الاستيلاء على السلطة)، ثم تحولت إلى ارتكاب جرائم السلب والنهب وقتل المدنيين.
تعتبر هذه النتائج، من الناحيتين العسكرية والسياسية بمثابة هزيمة كبيرة تكفي لإعلان استسلام المليشيا للجيش السوداني، إلا أن القوى الدولية، المخطط لهذه الحرب، أرادت أن تجد مخرجا من مأزق فشل أهدافها، الذي لم ولن تستطع حملاتهم الإعلامية التغطية على حقائقة المرة على الارض. لذا حدث تحول كبير ومتزامن في الاستراتيجيتين العسكرية والسياسية. يمكن أن نقرأه وفق المعطيات التالية.

اولا التحول في الاستراتيجية العسكرية للمليشيا
1/ تحولت المليشيا من قوة صلبة تحارب الجيش، في معارك محددة لإسقاط المدن الكبيرة. تحولت إلى استراتيجية حربية أخرى خطواتها: (أضرب و أسرق وخذ الصور ثم أهرب). حدث ذلك في كل من سنار، سنجة، الدندر، الرهد. هذه الاستراتيجية مهما كانت مزعجة إعلاميا ومهما كانت مؤلمة على المواطنين بسبب الجرائم. إلا أنها تُعتبر خسارة وتقهقرا من ناحية الخطط العسكرية، لابد أن تعود على المليشيا بالوبال وذلك بسبب السلبيات الآتية:
1/ الانتشار يشتت من قدرة المليشيا على اقتحام المواقع الحصينة.
2/ أصبحت قوات المليشيا مجزاة ومعزولة عن بعضها البعض هنا وهناك.
3/ تحولت المليشيا من جيش شبه نظامي إلى عصابة تعمل بمبدأ حرب العصابات دون أن تخضع ل قوة مركزية أو خطة مركزية أو هدف مركزي.
4/ سوف تواجه مشاكل استراتيجية في الامداد اللوجستي.
وبهذا الوضع ستكون قوات المليشيا لقمة سائغة، يسهل القضاء عليها بعدد من الكمائن أو ما ابتكره الجيش السوداني من اسلوب المهام الخاصة عبر قوات العمل الخاص، وهو الاسلوب الذي جربه الجيش واستخدمه في تحرير عدة مواقع حساسة منها مقرر الإذاعة والتلفزيون وأحياء أمدرمان القدية، والاحياء السكنية حول معسكر مدرعات الشجرة وعدد من الاسواق وغيرها. والان يتعرض جنود المليشيا إلى القتل اليومي من خلال هذا الاسلوب.
من ناحية أخرى، وعبر هذه الاستراتيجية حاولت المليشيا أن تستدرج الجيش وتخرجه من مواقع المعارك الرئيسية، مثل حصار مدني، جبل موية، سنار، لكن الجيش بمهنيته فطن لذلك ولم يجاري المليشيا في خطة انتشارها، بل استخدم خطتها ضدها وحقق مزيد من الانتصارات في أحياء أمبدة، الصالحة، الكدرو، وغيرها. ولابد أن الجيش يتحين الوقت المناسب للإنقضاض عليها في لحظة ما.

التغيير في الاستراتيجية السياسية
وبالتزامن مع محاولات الاستدراج العسكري للجيش السوداني، تجري محاولات أخرى للاستدراج السياسي للحكومة السودانية إلى قاعات التفاوض، والى المؤتمرات في عواصم العالم المختلفة. و ايهام المجتمع السوداني بأن التفاوض هذه المرة سيكون مختلفا ومنتجا. ومن أجل ذلك تمت عدد من الجهود التمهيدية للتمويه تتمثل في عقد عدد من مؤتمرات الحوار و وزيارة عدد من الوفود الأجنبية.

مؤتمرات الحوار
بدأت مؤتمرات الحوار السوداني بإشراف دولي، ومحاولات جمع الفرقاء السياسيين، في فرنسا، ثم جنيف، ثم بلجيكا، و بالأمس في القاهرة، وغدا في أديس أبابا. أضف إلى ذلك المؤتمر النسائي الذي انعقد في كمبالا. تمت كثير من الإشارات إلى إمكانية مشاركة أعضاء من حزب المؤتمر الوطني، وتم توجيه الدعوة إلى د. أميرة الفاضل للمشاركة في مؤتمر كمبالا، كما أن د. الشفيع خضر احتج في مؤتمر القاهرة على عدم دعوة ممثلي المؤتمر الوطني ، كما أن الاتحاد الأفريقي انخرط في عدد من اللقاءات مع ممثلي المؤتمر الوطني وأصدر بيانات بذلك ووجه الدعوة لبعض قادته للمشاركة في مؤتمر أديس أبابا المقبل، كما أجرت قناة الجزيرة لقاءا من القيادة د. سناء حمد لاستطلاع الآراء حول ذات الموضوع.

والان ينخرط الإعلام الشعبي في حوارات شعبية متصلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حول هذه القضايا بين مؤيد ومعارض ومحلل.

الوفود الخارجية
جاء نائب وزير الخارجية السعودي، وتبعه رئيس الوزراء الاثيوبي، و كل التوقعات تشير إلى زيارات متوقعة لعدد من الرؤساء مثل الرئيس سلفاكير والرئيس المصري والرئيس الروسي.

روسيا على خط الصراع
ولكن القضية الرئيسية في ساحة الصراع الدولي، والتي تهم أمريكا واسرائيل خصوصا والغرب عموما، هي قضية دخول الدب الروسي وتوطيد العلاقة الاستراتيجية بينه وبين الحكومة السودانية. والمهدد الأكبر للمصالح الأمريكية من هذه العلاقة، هو توقيع الحكومة السودانية لشراكة استراتيجية مع روسيا يتم من خلالها بناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر مقابل انفتاح روسيا الكبير على السودان في المجالات الاقتصادية والعسكرية والزراعية و العلاقات الدوليه. ويكون ذلك مقرونا بالتوغل الروسي نحو دول غرب أفريقيا التي أقامت اتحادا كونفدراليا يسهل التعامل الاستراتيجي بين أفريقيا و الدب الروسي.

زر الذهاب إلى الأعلى