رأي

ماقبل الدستور

ماقبل الدستور

بقلم : بروفيسور ابراهيم أحمد محمد الصادق الكاروري

ذكرنا من قبل أن مرحلة ماقبل الدستور هي المرحلة الأهم لاسيما، في الحالة السودانية، ذلك أن تاريخ الدساتير في السودان كما اتضح فيما ذكر سابقا، انها لم تحل مشكلة ولم تحقق استقرارا، ذلك أن السودان يعاني في اصل بنيته وطبيعة تركيبه ،وهذه لا يعالجهادستوربالضرورة ومن هنا كانت مقالات ماقبل الدستور…فإن كان الدستور هو مجموعة من القواعد التي تحدد شكل الدولة بسيطة ام مركبة،ونظام الحكم وشكل الحكومة رئاسية ام برلمانية ام شبه رئاسية، والسلطات العامة وصلتها ببعضها و خصائصها وحقوق الافرد وحرياتهم والقيم التي تصونها وتحميها، فانه وفوق ذلك فإن ديباجة الدستور تعكس التطور الاجتماعي والمسار السياسي والتاريخي للدولة،بل ذلك مدخل مهم لتعريف الدولة من ناحية واقعية ومن ثم تأتي القضايا الموضوعية، ومعلوم أن الطرق التي يوضع بها الدستور،اما عن طريق الجمعية التأسيسية، اوعن طريق الاستفتاء،
كل ذلك يشر إلى دولة اكتملت شروط بنيتها وطبيعة وجودها، والسودان يعاني من خلل واضح في ذلك..وهنا تتأكد قضية ما قبل الدستور ،..
والمدخل الأهم لتجاوز هذه الحال والانتقال من ثم لجدال الدستور ان الدستور لم يعد ورقة تكميلية تعدها نخبة سياسية او ايدلوجية، تغيب فيها أطراف المشاركة الشعبية، مهما كان ذلك التغييب ثم تجاز في اجراء صفوي وتنتهي القضية. إن الواقع اليوم يقتضي مجموعة من المقدمات الأساسية حتى الوصول لمرحلة الدستور،
أولا. حسم قضية الولايات او الأقاليم وكيفية إدارتها بصورة واضحة فيما يعرف (بالفدرالية او الكونفدرالية او نظام هجين بين ذلك )،(لي ورقة مفصلة في ذلك) يراعي الحالة السودانية وهو نظام يجد سنده في تراثنا السياسي، الذي يعزز نسق الولايات في الترتيب الإداري، حتى ييسر الله لنا خلافة حامية
ان المشكلة في أصلها مشكلة وجودية ومن ثم إدارية مشكلة، كيف يعرف ومن ثم كيف يدار السودان، فهو لن يدار كماثبت باحزاب ايدلوحية او أطر طائفية، وإنما بنظام اداري يستصحب ماسبق ، تتولى فيه الولايات المسؤلية الكاملة، حتي ينتهي التبطل السياسي، والاستثمار في دعاوى المظلومية وشرعنة البندقية،
ومهما كان الدستور ضبطا وصياغة، فانه ان لم يخاطب الواقع ويستصحب قضاياه،سوف يتم تجاوزه والغاؤه بجرة قلم او جرة بندقية كما تنطق عبر التاريخ، وكما قال اهل العرفان التخلية قبل التحلية
ان ظاهرة المعارضة المسلحة في تاريخ السودان تمثل اهم المؤثرات في مسيرة التاريخ المعاصر مع التوظيف والاستغلال الداخلي والاقليمي والدولي ،وما صرف في هذه الحروب كان كفيلا ببناء دولة لاتقاربها دولة او تماثلها في الإقليم، ورغم كل المتغيرات الانية الا أن هذه الظاهرة لم ولن تنتهي، _ ظاهرة السياسة بالبندقية_ بل كانت محفزا لاستمرار هذه الحال،
ثانيا. إن حسم هذه القضايا الكبرى هو القادر على نزع بذور الاحتراب، وبناء وطن محترم كغيره من الأوطان ، ان الخطاب العاطفي المهموم بالتوصيف والوعظ العام لم يعد مقنعا
كما أن مخادعة النفس بان المشكلة في نظام حكم تقليدي وتأسيس دستوري مجرب كل ذلك لن ينزع بذور المشكلة ومالاتها، ان التعامل مع هذه المشكلات بجدية وتجرد سوف يفتح الباب امام تلاقي مؤسس على تراضي
وعندها يمكن وضع دستور ينظم واقع دولة والا فإن الدستور لايبني دولة بل يحافظ عليها ويحميها ،والا سيظل كغيره من السابقات لايكف حربا ولايحقق امنا ولاينظم دولة.

زر الذهاب إلى الأعلى