آخر الأخبار

في رثاء الفريق عمر محمد الطيب


بقلم :د. محمد علي عبد الحليم
*عرفت المرحوم عمر محمد الطيب وهو خارج السلطة وبعيداً عن سلطانه ..عرفته في المملكة العربية السعودية في مدينة جدة حيث سكن جواري في حي الروضة ورأيته دوما يعمر مسجد الحي حيث يجيئه مشياً على الأقدام كان رجلاً ملئ بسعه في الجسد وكثير من التبسم والتبسط وحين تقترب منه تصل إلى رجل دموعه تملأ عينيه وهو يبسط لك وده وعاطفته واخوته وفكره وكرمه ورجل يملأ القرآن لسانه ولاينفك في كل لحظة من التكبير والتهليل والصلاه على سيدنا رسول الله ..أول مره زرته في بيته القريب من بيتي كان بصحبة عمنا د محي الدين صابر وإبنه حاتم الذي كان يشغل منصب مدير عام المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة وكان في زيارة رسمية للمملكة حيث دعاه المرحوم الفريق عمر للعشاء .. حين وصلنا باب بيته حدثت حادثة مريره حين اغلق باب العربة الأمريكية الكاديلاك علي يد د محي الدين حتى سال الدم من أصابعه وهو يهم بالخروج من السيارة وجاء المرحوم عمر مهرولاً ومعه مساعدوه وأهل بيته ووجدت ساعتها دموع د. عمر تنهمر ويفيض من مشاعره انزعاجاً وتاثراً يملأ وجهه وسرعان ماعولج الموقف بالترحيب الحار والتقريظ الكبير الذي أبداه لمساهمات د محي الدين رحمه الله في العمل الوطني.. في هذه المرة اكتشفت للمرة الأولى القدرات العالية لشخصية د. عمر وكيفيه بسط شخصيته الكاريزماتية علي من حوله بود أخاذ وكرم ضيافه بالغ وتجوله في الحديث من العام الي الخاص بسلاسه وقدرات ربط عاليه تعطيك انطباع الانجذاب اليه والى مايقول بإعجاب .. فيما بعد هذه الاستضافة بدأت علاقتي تتوثق بالمرحوم د. عمر خاصة في الجلسات التي كنت اقيمها في منزلي يوم الأربعاء حيث كان المرحوم سيد أحمد خليفه هو ضيف الشرف في هذه الجلسات فقد كان ضيوفي ينتظرونه ليستمعوا إلى تحليلاته في أيام الإنقاذ الأولى وسطوة د. الترابي رحمه الله على مقاليد السلطة فقد كان سيد أحمد حكاءاً مدهشاً بل هو واحد من أهم الحكائيين الذين عرفتهم في حياتي حيث ينقلك من حكاويه الشخصية وماواجهه في الحياة متنقلاً من الشمالية إلى السجانة وحكاوي كفاحه في العمل الصحفي وأسرار ذلك وعلاقاته الممتده مع رجال الحكم وسراديبه والغازه وحكاوي إعتقاله وسجنه في العهد المايوي .. كان المرحوم عمر قد أقام حفلاً كبيراً لزواج ابناؤه في فندق الحمراء سوفيتيل ودعي اليه طيف واسع من السودانيين وبعض أصدقاؤه السعوديين وفات عليه ان يدعو سيد أحمد خليفة صديقه القديم .. بعد حفل الزواج طلبني سيد أحمد أن أرافقه لزياره عتاب إلى د. عمر وياليتني مافعلت .. دخلنا الي منزل د. عمر وجاء إلينا هاشاً باشاً مرحباً وحين احتضن الرجلان للسلام همس له سيد أحمد بكلمات (أنا تفوتني في زواج أولادي ) وأنفجر د عمر باكياً واضعاً يده علي رأسه وجلس يمسك بيد سيد أحمد وبكى الرجلان بكاءاً حاراً تحيرت أنا معه فقد كانا يتجالدان بعد كل نوبة بكاء .. في هذه الجلسة عرفت عمق العلاقة وأسرارها فقد كان الفريق عمر هو من سعى لإطلاق سراح سيد أحمد من المعتقل وربطت بينهم علاقات طيبة لتقارب المزاج النفسي و الأخلاقي للرجلين .. بعد هذا اللقاء اكتشفت بعد مهم في شخصية د. عمر حين دعاني أيضاً أن أرافقه في اليوم التالي إلى بيت سيد أحمد وكان يحمل كراساً في يده وحين صعد السلم وهو يلهث فتح سيد أحمد الباب واحتضنه وفبل أن يجلس بدأ يفتح الكراس ويشير الي أسماء المدعوين الذين جهز أسماءهم لحفل الزواج وكان بينهم سيد أحمد إلا أن كارت الدعوة لم يصله لأسباب إن الشخص الذي عهد اليه بالتوصيل فشل في ذاك وكانت هذه شهادة براءه رد عليها سيد أحمد بكلام ودود ملئ بعشم العتاب وبعدها أقام الفريق عمر ليلة خاصة تكريما لسيد أحمد رحمه الله .. كان د. عمر يرتاد بعض جلسات الاربعاء عندنا وهو عائد من صلاة العشاء ليقدم لنا مجامله فقد كان في هذه السنوات يحاول تجنب الدخول في مناقشات حول أمور البلاد لكنه كان ودوداً معنا اذا دعوناه لوجبه شعبيه معينه فقد كانت شلتنا من ( الفولجية) عشاق الفول المظبط بأنواعه وكنا ( كوارعية) نغوص في الكوارع والكمونية وماهو أعمق منها في أضابير أدبيات المأكولات .. كان الفريق عمر وسيد أحمد رحمهما الله بسطاء في طعامهم ولكنهم كانوا مندمجين دوماً في إعجابهم بشلتنا ومأكولاتنا .. كان لدي طباخ من سيرلانكا تعلم بمهارة فائقة معظم اكلاتنا السودانية وكان ماهراً في إعداد القراصة بكل ( دمعة) أو ( ملاح) تشتهيه وصولاً إلى ( ملوحة التركين المحسية ) وكانت مائدتنا الرمضانية شهيرة بكل مافيها من عصيدة وعصائر بسبب مناف السيريلانكي الذي تدرب علي يد زوجتي وصديقي شريف عثمان أعطاه الله الصحه ولقد استعان د. عمر مرات بمهارات مناف حين كان ياتيه ضيف عزيز أما سيد أحمد فقد ارتبط مع مناف بعقد صداقة في مأكولاته الصحية البسيطة وطبق الفول المظبط .. الواضح وليس الفاضح أن عمر محمد الطيب رحمه الله لعب دوراً مهماً وخفياِ في احداث رمضان التي أطاحت بقبضة د. الترابي من السيطرة على الحكم وهو الذي حرك بايحاءات متعددة د. غازي وآخرين نحو إعداد مذكرة العشرة وهو الذي هيأ المسرح العسكري للبشير بقيادة عملية السيطرة التي كان هدفها تحقيق إصلاحات في العلاقات السودانية العربية ،، المؤكد أن د. عمر كان يدير شبكة ممتدة داخل الجيش والسلطة من منزله في جدة ولعلي أقول إن كتاب د. عمر الذي أصدره بعد حصوله على الدكتوراة عن الأمن القومي لوادي النيل كان سبيلاً لعشرات من الإجتماعات عالية المهارة الأمنية للتغلغل في حمر الانقاذ والجيش وتحقيق عدد من العمليات الاستخباراتية الهادفة للسيطره والتحكم في بعض المسارات الإنقاذية وقت ذروة الجهاله المسيئة للإسلام كدين سماحة وهو دور سيكتب له في تاريخ السياسة السودانية المعبرة عن أخلاق السودانيين السمحة وبغضهم للعنف .. كان د. عمر رجل أمن لايشق له غبار قدم لبلاده عديد من الخدمات عل أبسطها هي قدراته في تشكيل جهاز أمن يتمتع برجال في اعلي مستوى من العلم والكفاءة تمكنوا من السيطره على الاقليم الحيوي الافريقي المحيط بالسودان وتمكنوا من نزع المهددات الأمنية التي تهدد الأمن القومي للسودان وخلق د. عمر بقدراته العاليه توازناً بين جهاز المخابرات الخارجية والأمن الداخلي وارتفع بالعلاقات مع المؤسسه العسكرية إلى أعلى مستوى .. تمتع د. عمر بمحبة كل من عرفه وعمل معه وحين عاد إلى السودان ظل هو نفسه عمر القائد والنائب والمواطن الذي أحبه الناس.. كان د. عمر لايرد أخذا يصل إلى بيته فيستقبله مهما كان وقت الزيارة ويلبي كل حاجه تطلب منه مهما كان الأمر عسيراً فقد جبل على محبه الناس وقضاء حوائجهم .

  • ندعو الله سبحانه وتعالى أن يرحمه ويغفر له ويعطي بلادنا رجالاً يحبون وطنهم كما أحبه عمر محمد الطيب.
زر الذهاب إلى الأعلى