آخر الأخباررأي
مسؤولية المرحلة جماعية

عوض الله نواي – وكالة One Press للتحقيقات الصحفية والإعلام
بورتسودان – يوليو 2025م
- عندما اعتصم الناس أمام القيادة العامة، وحُسمت الأمور داخل المؤسسة العسكرية، لم يكن القرار الذي أطاح بالنظام السابق قرار فردٍ أو نزوة عابرة، بل كان قرارًا مجلسيًا جماعيًا. اللجنة الأمنية التي تشكلت حينها – كما قال ابن عوف وهو يعلن تحفظه على رأس النظام – اتفقت أن تدير المرحلة بروح الفريق الواحد، لا وصاية لأحد على أحد، ولا قرار يُفرض بيد فرد.
- إبراهيم جابر، ياسر العطا، شمس الدين كباشي، البرهان، وحتى حميدتي – قبل أن ينقلب ويتمرّد – كانوا يدلون بآرائهم، ويجادلون، ويُتخذ القرار بعد نقاشٍ ومداولات جماعية.
- لكن شيئًا فشيئًا بدأت اللعبة تتغير… وبدأ دقيس يهمس في أذن البرهان: “أنت الرئيس… أنت القائد… أصدر قراراتك”. فكانت قرارات 25 أكتوبر الشهيرة، لكنها – رغم الصورة التي رُسمت حولها – لم تكن انقلابًا فرديًا خالصًا، بل قرارًا شارك فيه جميع العسكريين في مجلس السيادة، ووافقوا عليه، أو على الأقل لم يعارضوه علنًا.
- الطغيان لا يبدأ من قرارٍ فردي فقط، بل من جماعة تُزيّن للحاكم أفعاله، فتخلط الألوان أمامه، وتُغيّر المشاهد لصالحه، وتجعله يظن أن صوته هو الحقيقة المطلقة. وهنا تكمن الخطورة؛ فالحكم الجماعي حين يتحول إلى هتافات تمجّد الفرد، يضيع التوازن وتتحول الدولة إلى مسرح تتلاعب به الأهواء.
حكم الجماعة… ورأي الجماعة
- الحكم الجماعي لا يعني أن تُدفن الآراء أو تُجمد، بل أن يكون القرار خالصًا للنقاش والاتفاق المشترك. أي قرار مصيري – من تغيير الحكومات، إلى توقيع الاتفاقيات، إلى إعلان الحرب أو السلام – لا بد أن يمر عبر توافق الأطراف جميعًا. هذا هو جوهر المسؤولية الجماعية التي تحمي الدولة من انزلاق الفردانية.
الفترة الانتقالية… من عبد الطريق لمن سار عليه
- الفترة الانتقالية لم تكن مجرد إدارة عسكرية مغلقة، بل كانت شراكة مع قوى سياسية، بعضها عبد الطريق لعبد الفتاح البرهان وهو يسير في اتجاهاته المختلفة؛ فالحاضنة السياسية، والأحزاب المدنية، والناشطون، كلهم كانوا جزءًا من المشهد، إما بموافقتهم أو بصمتهم أو حتى بتواطؤ بعضهم.
خاتمة… بنيان لن يتفكك
- البرهان وحده لن يستطيع تغيير المشهد، ولن يقدر على إزاحة أي عضو من أعضاء مجلس السيادة من العسكريين؛ فكباشي باقٍ في موقعه، وياسر العطا ترسٌ قوي على الأرض، وإبراهيم جابر صدٌّ منيع، والبرهان – مهما علا صوته – واحد أمام ثلاثتهم. ويكتمل هذا المشهد بمدير جهاز المخابرات، الذي عبر إلى ضفة النهر منذ عهد “القحط”، وطالبوا هم أنفسهم بترقيته من نائب المدير إلى مدير لما عُرف عنه من مهنية وكفاءة.
- هذا البنيان المرصوص لن يتفكك، شاء من شاء وأبى من أبى، وسيبقى متماسكًا حتى نهاية الفترة الانتقالية… ومن يحلم بتفكيكه الآن، فليصحو قبل أن يبتلعه الحلم نفسه.


