آخر الأخبار

دمج البندقية وبناء الدولة: قراءة في دعوة د. جبريل إبراهيم

كتب: عوض الله نواي

مدير مركز ووكالة One Press للتحقيقات الصحفية والإعلام

في لحظة مفصلية من تاريخ السودان، خرج وزير المالية والقائد السابق لحركة العدل والمساواة، الدكتور جبريل إبراهيم، بتصريح لافت، دعا فيه إلى دمج القوات المشتركة والمستنفرين وقوات درع السودان ولجان المقاومة المسلحة في جيش وطني موحّد. دعوة لا تنبع من ترفٍ سياسي، بل من واقع الحرب واحتياجاتها الفعلية.

لقد باتت البلاد اليوم في أمسّ الحاجة إلى توحيد البندقية، ليس فقط لتأمين الجبهات، بل لإنقاذ ما تبقّى من كيان الدولة ذاته، في ظل تمدد المليشيات العابرة للمدن والقبائل.

القوات المشتركة… من الفاو حتى الصياد

لم تكن ملحمة الفاشر وحدها شاهدًا على صمود القوات المشتركة. فمن الخطوط الأمامية في الفاو، وقرى أم برمبيطة، وحتى عمق دارفور ومتحرك “الصياد”، سطّرت هذه القوات بطولات خالدة، ووقفت في وجه جحافل الدعم السريع، التي حاولت اختراق خطوط الإمداد وقطع شرايين الجيش.

في متحرك الصياد، خاضت القوات المشتركة معارك شرسة استمرت لأسابيع، تكبّد فيها العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، فيما ارتقى العشرات من الشهداء من صفوف القوات المنضوية تحت قيادة الدولة، دفاعًا عن الأرض والعرض.

وفي شرق السودان، وتحديدًا بمحور الفاو والقضارف، نجحت هذه القوات في تأمين الطريق الحيوي الرابط بين الميناء والداخل، ومنعت تسلل العناصر التخريبية التي كانت تسعى لضرب المخزون الغذائي القومي. هؤلاء الأبطال لم يطالبوا بشيء سوى الاعتراف، والتسليح، والتدريب… ولكن اليد التي امتدت للقتال، لم تمتد لها الدولة بالتمويل.

إهمال إداري… وضياع فرص استراتيجية

إن تسرب 1300 مقاتل من خريجي معسكر القضارف، بعد أن تم تدريبهم وتأهيلهم، لا يُعد فقط إهدارًا لمورد بشري عسكري مهم، بل جريمة إدارية تُحاسب عليها قيادة الجيش. ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يُدمجوا ضمن الوحدات النظامية وتوزع لهم النمر العسكرية، تُركوا بلا قيادة ولا هوية ميدانية، مما أدى إلى تسرّبهم وفقدان الكفاءات.

والسؤال الأهم: لماذا لم تُفعّل ميزانية الحرب في تغطية نفقات هؤلاء؟

أين تذهب أموال التسليح والتدريب والإمداد؟

وكيف تُترك حركة العدل والمساواة – التي قدمت الشهداء والجرحى – تتحمل وحدها كلفة علاج مقاتليها ونقلهم للخارج؟

بل إن الدكتور جبريل إبراهيم نفسه يستأجر على نفقته الخاصة أكثر من خمسين منزلًا لإيواء قادة وضباط قواته، ويصرف على أسرهم، في وقتٍ تتحاشى فيه قيادة الجيش دعمهم أو الاعتراف بوجودهم الرسمي.

ليسوا مرتزقة… بل أبناء هذا التراب

هؤلاء المقاتلون ليسوا مرتزقة، بل أبناء هذا الوطن، حملوا السلاح دفاعًا عن شرفه، واستجابوا لنداء الدولة، لا طمعًا في المال، بل التزامًا بالقضية. ولكن لا يمكن أن يُطلب من الجندي أن يموت في الخندق، بينما يُترك جريحًا بلا علاج، أو تُهمل أسرته بعد استشهاده.

لقد قدّمت القوات المشتركة، وفي مقدمتها حركة العدل والمساواة، قوات درع السودان، والمستنفرين الوطنيين، نموذجًا حيًا للانضباط والتضحية، وفرضت نفسها على أرض المعركة، حيث سقطت الولاءات الزائفة، وبقي الانتماء للوطن هو البوصلة الوحيدة.

في الختام… كلمة من ضمير الحرب

قالها الدكتور جبريل إبراهيم بوضوح:

“التعليم، الرعاية الصحية، الماء النظيف، الأمن الغذائي… ليست كماليات، بل حقوق لا بد أن تُستعاد.”

ونحن نضيف:

الكرامة العسكرية أيضًا حق.

والدم السوداني الذي نزف في أم كدادة والفاو والفاشر، لا يقل عن أي دم آخر.

ومن وقف اليوم في الخندق، يجب أن يُكرّم غدًا في قاعة الشرف الوطني.

لقد آن الأوان لأن يتوقف التمييز في التعامل مع القوات المتحالفة مع الجيش، وأن يُكتب التاريخ الحقيقي للميدان، لا من خلف المكاتب، بل من قلب البنادق التي ما زالت تدافع عن هذا الوطن الجريح

زر الذهاب إلى الأعلى