احتراق وزارة العدل … احتراق المعاني قبل المباني

بقلم :د . عاصم محمودعبدالقادر- المحامي
ملأت الدنيا والافاق صور وفيديوهات احتراق مباني وزارة العدل ومن قبلها مباني عدة محاكم ومباني القضائية وانه لأمر يندى له الجبين ، ولعل احتراق المباني لم يكن باصعب من احتراق العدالة فقد مسخت العدالة وتشوه القانون واضطرب مصدر التشريع في بلادنا منذ أن جاءت ثورة ديسمبر ٢٠١٩م ولعل الشواهد على اضمحلال العدالة وتناقص الريادة التشريعية والقانونية والعدلية في بلاد تذخر بفقهاء وعلماء القانون من قضاة ومحامين وباحثين ومستشارين قانونيين واكاديميين.
لقد بلغت درجة التراجع في بلادنا منذ فجر الثورة المزعومة درجة متاخرة وجعلت بلادنا في حالة تدهور عدلي مريع وأهتزت ثقه الناس في المنظومه العدليه….ومن أبرز تلك التشوهات التشريعيه والدستوريه :-
اولا: الوثيقة الدستورية
خالفت الوثيقه في صياغتها وفي متنها كل المبادئ والقيم والقواعد الدستوريه المتعارف عليها عالميا وجاءت مشوبه بالعيوب الشكليه والموضوعيه’ أضافه للغط الذي دار حول وجود أكثر من وثيقه بعد أقرار وزير العدل نصر الدين بوجود أكثر من نسخه الوثيقه…وانعكس كل ذلك الأرباك في تطبيق نصوص الوثيقه على الواقع الدستوري والقانوني وأفقد الناس الثقه في أسمى واعلى قانون في البلاد وبدأ كثير من المشتغلين بالقانون يعقدون المقارنات بين تلك الوثيقه ودستور ٢٠٠٥م والذي يعد من أفضل الدساتير في السودان من حيث االشرعية والحداثة والمواكبة واحتواءه على العديد من المبادئ العامة الواردة في المواثيق الدولية …ثم أستمر هذا التخبط التشريعي حين تبنت تسيريه نقابه المحامين مسودة دستور وضح أنها معدة من الخارج بشهادة مريم الصادق فى انتقاص صارخ للسيادةالوطنية وتجاوز الاعراف .
ثانيا: قانون إزالة التمكين لنظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م:
ويبدو الخلل القانوني فيه أن اللجنة المكونة لتنفيذه منحت سلطات قضائية وتنفيذية في آن واحد الأمر الذي يعد انهيار لمبادئ قانونية عديدة متعلقة بالحقوق الأساسية ،كما منحت سلطة الاستئناف إلى لجنة اعلى مكونة من سياسيين وناشطين لا علاقة لهم بالقضاء ويرأسها مستشار قانوني يستأنف حكمها لدى المحكمة العليا والتي مؤخرا كيفت احكامها قراراتاّ إدارية وألغتها بناءا على الطعن فيها بلا استثناء في خطوة شكلت بارقة امل لاستعادة ميزان العدالة .
ثالثا: مبدأ الفصل بين السلطات
تم انتهاك هذا المبدأ الراسخ بمنح السلطة التنفيذية سلطات تشريعية لمجلسي السيادة والوزراء مجتمعين بعد ال ٩٠ يوم التي حددتها الوثيقة الدستورية ٢٠١٩م واستمر الأمر لأربع سنوات ، ثم تغولت لجنة التمكين على السلطة القضائية باعفاء قضاة واعادة اخرين للخدمه بكشوفات اعدتها لجنة إزالة التمكين ومن خارج السلطة القضائية ضاربين بمبدأ استقلال القضاء عرض الحائط واستنادا إلى عدم شرعية الجسم التشريعي المؤقت فإن كل تصرفاته تعتبر لاغية ، هذا فضلا عن قرارات رئيس مجلس السيادة بخصوص النقابات والاتحادات المهنية في تدخل مخل في قرارات اعلى سلطة قضائية في الدولة (المحكمة العليا) وإيقاف وزير العدل لحكم محكمة التنفيذ الصادر من المحكمة العليا بخصوص تسليم تسيرية المحامين للنقابة الشرعية وغيرها من القرارات وموضوع الفصل بين السلطات يعد اساس الدولة الحديثة حيث قامت الثورة الفرنسية نسبة للخلل الكبير في مبدأ الفصل بين السلطات بينما جاءت ثورة ديسمبر المجيدة لخلق وتبرير التغول !!!!
رابعا: تعطيل المحكمة الدستورية والتي تعد الحارس الامين للحقوق والحريات وسلامة تطبيق القانون وتفادي تعارض القوانين وانتظار عدد مقدر من القضايا التي تحتاج إلى قرار منها ، ان قيام المحكمة الدستورية كان من الممكن أن يحافظ على السمت العام للقضاء السوداني المعروف بالاستقامة والانصاف على مر الزمان ومن ناحية أخرى فان وجود المحكمة الدستورية كان يمكن أن يلغي كل القوانين ولقرارات التي صدرت مخالفة للقانون .
وبالمحصلة النهائية لحريق برج العدالة هل يدري هؤلاء الجهلة انهم ابادوا مستودع القوانين في السودان ؟؟، هل يعلمو بان فعلهم هذا نسف كل مستندات الاتفاقيات الدولية، هل يعلمو ان هذا الحريق قضي علي كل العقود الحكومية ؟؟ ام هل يعلمون ان كل اوراق وتقارير حقوق الإنسان بالإدارة المختصة بالبرج ذهب مع الحريق ، والسؤال الأكبر ما علاقة هذا البرج المدني بالعمليات الحربيه.؟؟
*نعم حزنا للحريق الذي أشعلته المليشيا بمباني وزارة العدل ..وكنا قبلها قد فجعنا بحريق معاني العداله حين تولى النشطاء وأنصاف المواهب أدارة شأن الدوله فختموا تاريخهم القبيح بهذه الحرائق التي عمت بلادنا العزيزه….وحتما ستخرج بعزيمه أهلها الشرفاء من بين تلك الحرائق شامخه وعزيزة ومنتصرة بأذن الله.