((همس الحروف) .. الطالبة آمنة فتحي إبراهيم تفوقت فهل يمكن أن تجد حظها في التبني و الرعاية)
☘️🌹☘️
الباقر عبد القيوم علي
الطالبة النابغة آمنة فتحي إبراهيم من أسرة متواضعة جداً تعيش كحال الكثيرين من أهل السودان الذين يكد أبائهم ليلاً و نهاراً من أجل توفير أبسط متطلبات و مقومات الحياة لأولادهم ، فتجدهم يتلمسون كل أسباب و وسائل الكسب الحلال في طلب الأرزاق بشق الأنفس ، و بشد الساعد على الساعد حتى تتفطر أقدامهم و تتقطر جبانهم بدهمة العرق الحلال ، فيحدثونا عن ذلك بواقع عملي بعيد عن التنظير لقصص “كفاح مميتة تدمي لها القلوب عند سماعها ، مشكلين لنا بهذا الكفاح مدارس متخصصة في شؤون الحياة ، حتى إستطاعوا أن يتغلبوا على حدة الظروف بعزيمة لا تلين و لا تعرف الانكسار لتوفير لقمة العيش الكريم و ستر الحال من أجل تربية العيال .
ففي مثل هذه الظروف الإستثنائية من عمر بلادنا نجد أن قصة كل كفاح من أجل البقاء و التغلب على هذه الظروف تروي لنا مجموعة من التفاصيل التي تحمل الحزن و الفرح في آن واحد ، و هذا الأمر الذي يلزمنا كفاتاً لأجل تغير هذا الواقع المرير الذي تمر به بلادنا ، فتبرز لنا بين نتوءات هذه المعاناة إشراقات مبهرة تروي لنا قصص أبطال عظماء إستطاعوا ان يقهروا ظروفهم و يوجدوا فرق القيمة المضافة في الحياة لشقوا طريقهم لتحقيق بعض الأهداف النبيلة، و قد كانت آمنة فتحي إبراهيم منهم و لهذا حق لها أن تكون محل محبة و تقدير و إحترام .
فقصة كفاح آمنه يلزمها توثيق لأدق التفاصيل التي تتعلق بها لأنها تعتبر من القصص التي تحمل كثيراً من (العبر) ، فدرست الصف الأول و الثاني الثانوي بمدارس المعالي الخاصة ، و حينها تم فرض كورس لطلاب لشهادة السودانية ، و عندها خرجت قيمة الكورس عن مقدور و إستطاعة أهلها ، فطلب والدها من إدارة المدرسة إعفائه من الرسوم أو تقصيد المبلغ ، إلا أن إدارة المدرسة لم تستجيب لطلبه الخفوت ، فاضطر لتحويل إبنته آمنه إلى مدرسة الشارقة الخاصة التي رحبت بها لكونها كانت من المتفوقات في شهادة الأساس حيث أحرزت و قتها (276) درجة ، و قد تم إستيعابها بمدرسة الشارقة مع إعفائها من جميع الرسوم الدراسية ، ففي مثل هذه المواقف الإنسانية لا بد لنا من التوقف قليلاً للتأمل ، و ذلك ليس من باب الدعاية لهذه المدرسة أو أصحابها و أنما ذلك من باب حفظ الحقوق للذين تحمل قلوبهم الإنسانية المجردة ، و الخير بالخير يذكر ، فخلف هذه المدرسة كان هنالك أناس أفاضل لابد من ذكر إسمائهم فهم الأستاذ أسامة أحمد بدر سليمان و الدكتورة سامية أحمد بدر سليمان و الأستاذ نادر عبد الوهاب الخليفه عثمان سقره ، فهؤلاء من الذين وضع الله الخير في قلوبهم و ظلت أسمائهم تحمل معانيها ، فلم تحرم آمنه بعد ذلك من أي شيء كانت تحتاجه في دراستها ، وقد تحملوا عنها كل تكاليف و متعلقات الدراسة ، فهم أصحاب مواقف بيضاء لا شك في ذلك ، فلهم مني كل الحب و التقدير ، و كذلك في المقابل لم تخذلهم آمنه و كما لم تخيب ظنهم فيها ، فكانت من اللائي قطفن ثمرة النجاح نتيجة إجتهاد لم يخصم من كونها فتاة البيت التي تساعد أمها في كل شيء من طبخ و حتى (عواسة الكسرة) كان لها حظ فيها ، و لهذا ظلت هذه الطالبة حدثاً مهماً يجب علينا رعايتها و منحها مساحة مقدة من إهتمامنا ، فلم تكرس جل وقتها لأجل الإستذكار فقط و مراجعة دروسها بل كانت هي اليد المساندة للأسرة ، فظلت تخدم أهلها و ضيوفهم بكل سخاء حتى شارفت أيام الإمتحان ، و لقد وصفها القريبون منها بأنها الهاشة الباشة ذات الإبتسامة الخافتة ، و هي بذلك سعيدة إيما سعادة ، لم تكن عبوسة أو قلقة بما تقوم به من أعمال منزلية و لم يأتي ذلك خصماً من وقت مذاكرتها لدروسها بل كانت واثقة النفس من انها تستطيع أن تنتزع الفرق في الدقائق الأخيرة .
آمنة نعم المثال الحي لفتياتنا المثابرات و الناجحات ، اللائي يتحلين بالذكاء الحاد و النشاط و القدرة على الإنجاز و الإبداع ، و نحن نعول عليها كثيراً و على أمثالها من المتفوقين في المسقبل القريب ، لأنها من الذين سيسهمون في بناء و نهضة هذا الوطن ، فعلى الرغم من ضعف بنيتها إلا أنها كانت قوية العزيمة ، فإستطاعت بتوفيق من الله أن تطوع كل الظروف القاهرة التي كان تحيط بها لتحرز المرتبة الأولي في المساق الأدبي على كل مدارس محلية جبل أولياء في إمتحانات الشهادة الثانوية السودانية للعام 2022 م ، محرزة نسبة 93.6% ، فقصتها كانت إستثنائية ، و كانت هي مثال للطالب المتوازن الذي لا يخصم شيئاً من حزمة ترتيب زمنه مقابل شيء آخر ، و بهذا النجاح الباهر إستطاعت أن تثلج قلوب أهلها و كل الذين كانوا خلفها و خصوصاً أساتذتها الذين يعتبرون المكائن الحقيقية التي تعمل بصمت من خلف الكواليس لصناعة مثل هذه النجاحات الباهرة ، فهم ثلة أخبار من أخبار نسأل الله لهم التوفيق و أن يسدد رميهم ، و نرجو منهم مزيداً من الإشراقات التي ترفد مؤسسات التعليم العالي بأمثال( آمنة) .
النحاح قيمة كبيرة و له طعم خاص عند عشاقه و الذين يعرفونه ، و لهذا من الوجب علينا رعاية المتفوقين لتشجيع جميع أبنائنا ليحذو حذوهم ، و يجب ان نوليهم رعاية خاصة و أن نهتم بهم ، و لقد أصبح من الواجب على مؤسسات التعليم العالي تفعيل أدوارها تجاه المسؤولية المجتمعية لتبني مثل هذه الإشراقات ، فالتنافس في هذه المواقف مطلوب فهو هدف يحرص كل طرف من الوصول اليه ، و لكن هنالك أخطاء كبير ترتكب بحس النوايا عند التنافس في رعاية بعض هذه الحالات ، فنجد أن السيوف قد تبارزت في كفالة حالة أو حالتين فقط دون غيرهما كما كان ذلك واضحاً في حالة الطالبة التي أحرزت المركز الأول (أمنية محمد موسى) ، و حالة الطالبة (زماز بشير حسين) ، فمن حقهم أن نكرمهم و نحتفي بهم و نرعاهم ، و لكن الناجحين كثر فلماذا تقاطعت الكفالات عندهما فقط و لم تتجاوزهما أو تتخطاهما ، فكان من الممكن أن ننوع في المكرمين ، و فالقائمة تطول و كل المتفوقين يستحقون الرعاية و التبني ، فلماذ كانت تصب كل جهود المؤسسات و الأفراد في تكريم شخص أو شخصين فقط .
يؤكد علماء النفس أن التنافس قيمة سلوكية محمودة ، و هو عبارة عن سلوك يقوم به الإنسان إما أن يكون من اجل التفوق على الآخرين و هذا ما جبل عليه الإنسان أو من أجل السيطرة و هنا لا يهم التقليد ، فنجد التنافس في حالات التكريم قد يكون سلوكاً تربوياً إيجابيا ، و لكن إذا زاد عن حد المعقول فهو سلبياً و قد يخصم من جهد الآخرين ، فكيف نستطيع أن نوظف هذا التنافس في تكريم أبنائنا بشكل تربوي يحفظ الحقوق لجميع الناجحين الذين ثابروا من أجل تحقيق التفوق و النجاح .
آمنة فتحي إبراهيم إستطاعت أن تقهر المستحيل لتحقيق هذا التفوق ، و لو لا فضل الله و وجود بعض حملة الخير من أمثال الأخوين أسامة و سامية أحمد بدر سليمان و الأستاذ نادر عبد الوهاب الخليفه عثمان سقره لكان لها قصة كفاح أخري ، لن نستطع التكهن بتفاصيلها عندما تمسكت مؤسستها التربوية الأولى في تفاصيل النواحي المادية ، و حتى لم تراعي لصعوبة الظروف المعيشية القاهرة التي هزمت كل أفراد الشعب السوداني في هذه السنوات الأخيرة ، و لكن هذا حق اصيل من حقوق المدرسة لا نريد أن نسلب إدارتها منه ، فلهم ظروفهم الخاصة بهم ، و تقديراتهم التي اتبنى عليها مثل هذا القرار ، فصعوبة الظروف أمر عام يمر بها الكثيرين من أهل السودان في هذه الأيام ، و قد كانت سبباً مباشراً أدى إلى فقد مقاعد الكثيرين من الطلاب بالمدارس بسبب إرتفاع الرسوم الدراسية ، و لهذا أرجو من أصحاب المدارس وضع هذا الأمر الإنساني في الإعتبار و تقديراتهم في مثل هذه الحالات ، و من هذه المساحة أناشد كل الذين تباروا و تبارزوا و تقاطعوا في تلك الحالتين أن يفسحوا المجال من أجل أن يوجدوا مساحة و لو صغيرة لهذه الطالبة النابغة (آمنة فتحي) ولكثير من الطلاب و الطالبات المتفوقين أمثالها ، فأرجو أن تجد حظها في التبني و الكفالة ، و الرعاية .
و الله من وراء القصد