((همس الحروف) .. المغتربون و حرث السراب)
☘️🌹☘️
✍️ الباقر عبد القيوم على
السودانيون في دول المهجر و الإغتراب يتجرعون مرارة البعد عن الوطن و لكن ما يخفف عليهم لوعة ذلك الفراق هو أن كل سوداني حمل معه الوطن داخل قلبه عند خروجه ، فخلق منه أيقونة لا تفارقه أبداً أينما حل و أينما إرتحل ، فنجدهم يفردون من قلبوبهم مساحات معتبرة يحملون داخلها الوطن ، و كما يحدوهم الأمل بأن الغد سيكون أفضل لهم من اليوم بالرغم من أنهم ليس لهم في الوطن إلا أحلاماً وئدت و آمال بعثرت و مستقبلاً مفقود ، ولكن عزاءهم دائما الذي يعزون به أنفسهم هو وجود سيل من الذكريات و بقايا من أحاديث الأباء و الأجداد ما زال محفوراً في ذواكر بعضهم ، و لهذا نجدهم يعيشون على إحياء هذه الذكري التي تحمل الفرح و الحزن معاً والآهات الممزوجة بالضحك الذي إقتلعوه قسراً من بين أكوام تلك الأحزان ، وكلهم أملاً في أن يأتي يوماً ما إلى سدة الحكم أحد الصادقين الذين يعرفون غلظ ميثاق الكلمة التي يتم بها الوعد فينتصر لقضيتهم .
يعيش المغترب السوداني جملة من المتناقضات اليومية و التي تدور أحداثها وسط إضطرابات في القرار السياسي الذي يحمل الصفة الحربائية يتغير ويتلون بإختلاف أمزجة متخذيه و التي تكون أحياناّ بدون مبرر لتضيع معها كل أحلام المغتربين تحت ركام ما سبق من قرار ، و التي تقع تحت رحمة الظروف ، و تبعاً لذلك يترتب عليه حالة من الإحباط وسط هذه الشريحة التي فقدت الامل في هذا البلد بصورة نهائية .
الصابرون من أفراد هذا الشعب على جحيم التردي الإقتصادي والأمني والصحي نجد أن وراءهم مغتربون يحملون معهم همومهم على ظهورهم ، و لو لا وجود هؤلاء المغتربين لتصعبت الحياة على الكثيرين في هذا البلد ، فنحن نشهد لهم بأن لهم اليد العليا في توفير هذا الإستقرار النسبي الذي خلقته تحويلاتهم المليارية ، و التي أسهمت و ما زالت تسهم في مد الخزينة العامة بالعملات الحرة .
فلقد سئمت شريحة المغتربين من الغش الممنهج الذي طالهم طيلة السنوات الفائتة و ظلت تمارسه عليهم كل الحكومات السابقة التي تعاقبت على كراسي السلطة ، و حيث ما زالت حكومة الثورة مستمرة في نفس الإتجاه و لم يحدث أي تغيير ، ويمكننا أن نكتفي فقط بالإشارة إلى سرعة تغلب القرار السياسي خلال الثلاث أشهر المنصرمة و الذي كانت بدايته بدغدغة عواطف المغتربين بعد تحرير سعر صرف الجنيه ، فنالهم من الوعود الذهبية ما نالهم ، فأعطت المغترب حق إستيراد سيارتة الخاصة عند العودة النهائية مقابل الإيفاء بتحويل محدد ، و لكن عدم مركزية القرار في الدولة و ضعف العلاقات بين المؤسسات و جهل أصحاب الكراسي بأهمية هذه الشريحة مع علمهم التام بضخامة حجم مشاكلهم ، إلا أن هذه السياسات التي خرجت منهم كانت متناقضة ، فخلقت نوعاّ من الفوضى العارمة التي جعلت من المغترب ضحية كإفراز طبيعي نتيجة التناطح والتداخل بين هذه السلطات ، حيث نجد أن ثمة قرارات تخرج لتلغي أخرى مصيرية في حقهم بالرغم من وجود جسم هلامي ضخم يحمل إسمهم وليس له أي علاقة مباشرة بهم خلاف الجباية التي يتحصلها منهم .
المتخصوص في قتل طموح الشباب ما زالوا يعملون بهمة كبيرة من داخل غرف إتخاذ القرار ، و لا أحد من الناس يعلم لمصلحة من يعمل هؤلاء الأشرار الذي يسعون في تحطيم أحلام الشباب بإتخاذ القرارات الجائرة و خصوصاً التي ترمي في وعاء المغتربين منهم ، حيث يكون الضرب مُركزاً في أماكن الوجع ، و كما لا يتم منحهم أي فرصة بين الضربة و الأخرى من أجل أخذ نفس عميق ، و دائما تصلهم هذه الضربات المتتالية في مقتل فتكون سبباً في شل عقولهم بحيث لا تمهلهم فرصة للتفكير أو حتى لإتخاذ القرار البديل ، فلقد أخرسهم الذهول بعد قرار إيقاف استيراد السيارات الذي كان من ضمن الشروط التي تم منحها لهم من قبل كشرط تشجيعي ، و قبل أن يفيقوا من الأولى حتي تبعتها الرادفة بقرار إلغاء العمل بحساب الدولار الجمركي ليصبح بعد ذلك من المستحيل أن يتملكوا سيارات العمر التي يحلمون بها ، و التي إغترب من أجلها الكثيرون و هذا خلاف أنهم يعاملون معاملة الأجانب في طريقة قبولهم في مؤسسات التعليم العالي حيث تحسب لهم الجامعات الرسوم بالعملة الصعبة و بمبالغ كبيرة ، الشيء الذي ترتبت عليه أغبان ضخمة يصعب إزالتها عنهم و ذلك حينما وجدوا شاسع الفرق بينهم و نظرائهم في نفس الكليات من طلاب الداخل الذين يدفعون الرسوم بمبالغ زهيدة جداّ بالمقابل السوداني .. فلماذ دائماً يقع الظلم على هذه الشريحة التي لها اليد العليا في هذا البلد و تعتبر من أهم أسباب توفير لقمة العيش الحلال لأهلهم في السودان ، و لو لا وجودهم لضاع الجمل بما حمل ، و لما كان هنالك إستقرار نسبي وخصوصاّ في دواوين الدولة لأن معظم الموظفين الذين يؤدون مهامهم بكل نزاهة و على اكمل وجه ، و نجدهم لا يتأففون من ضحالة حجم رواتبهم التي قد لا تكفي حاجتهم لإسبوع زمان واحد فقط ، فهؤلاء نحدهم صامدون لانه يقف خلفهم المغتربون من أهلهم الذين يحملون عتهم الكثير من أعباء هذه الحياة .. فهل من معتصم يستطيع سماع صراخهم و ينتصر لهم قبل ضياع عمورية ولسان حالهم يقول : (واا معتصماه) .