((همس الحروف) .. في رحيل محمد عبد الله (أبو رامي)
☘️🌹☘️
✍️ الباقر عبد القيوم علي
ما أصعب الحظات التي تكون فيها القلوب مشحونة بصدق الإنتماء و متانة الإرتباط الممزوجة بنبل العواطف حينما نودع فيها عزير قام بشد رحاله في سفر قصير سيعود منه بعد حين و نحن نؤمن بحتمية عودته فور إنتهائه من تلك المهمة التي كان من أجلها السفر ، و قس لى ذلك عظم تلك الحظات الصادمة التي تأتينا فيها الفواجع بغتةً لتفتت قلوبنا و تشق صدورنا عند ذلك المنعطف الأخير الذي نفارق فيه أحباء لنا ، فكيف سيكون حالنا و نحن نعلم أن هذه الرحلة أبدية ليس بعدها عودة مرجوة ، فحينها يكون بكائنا بدموع من دم على أمر ليس منه رجاء ، و ها نحن نجهش حينها بالبكاء، فهو بكاء ميت على ميت ، و لكن نظل ننتحب على فقيدنا مع علمنا بأن عودتة إلينا بعد خروجه من وسطنا من المستحيلات ، ولكن ما يطمئننا في تلك اللحظات هو يقيننا القاطع وإيماننا التام بإننا لاحقون به و لو بعد حين .
نحن نعيش هذه الأيام في زمان كثرت فيها الأحزان وتداعت علينا فيها المراثي ، و لم يجف لنا فيها دمع ، و جراح قلوبنا ما زالت تدمي على فراق من نحب من الذين خرجوا خاففاً و تركونا نكمل وعورة ما تبقى لنا من أيام في أعمارنا لوحدنا تحت قسوة هذا الزمان ، ،، لقد رحلوا عنا بالرغم من عظم إرتباطنا بهم ، و تركوانا نصطرع من ألم الفقد لأنهم كانوا رياحين على قلوبنا ، ولكنهم رحلوا و بصمت شديد يشبه صمت القبور ، بدون أن يتم إخطارنا بموعد هذا الرحيل القسري و في هذا الزمان و قتما كان الفقد أكبر من إحتمال سعة عقولنا و قلوبنا ، فحينها ينغمر في دواخلنا الالم و يكون الامل فداء لكل من فقدناهم .
في مثل هذه اللحظات الصادمة التي قل أن يتحملها إلا من رزقه الله الثبات ، فأجد نفسي عاجزاً عن وصف مدلول حالة الصدمة التي أصابتني و جميع جيراني و عظم الفجيعة التي داست على قلوبنا بدون رحمة في شرح هول تلك اللحظات القاسية حينما بلغنا نبأ رحيل أخي و جاري وصديقي الأستاذ المعلم و الشيخ الجليل ، و الرجل البشوش محمد عبد الله عوض الله (أبو رامي) ، الذي كان يعرفه الناس بأنه حمامة من حمامات المساجد ، و لقد كان من المتصدقين تحت غطاء الليل ، بصمت حيث لا توجد للكبرياء و خيلاء النفس مكاناً لمغازلة قلبه شديد النقاء ، و لقد كان كنز من كنوز البر لكل من قصده في مسألة ، وكان شمعة من الشموع ذاتية الإضاءة في العمل العام حيث كان لا يكل ولا يمل في تسخير نفسه لخدمة المجتمع ، أسأل الله له أعالي الجنان بدون حساب أو سابق عذاب ، فلقد فجع فيه كل من يعرفه و لهذا قد يصعب على في هذه اللحظة التي أكتب فيها عنه لأن الحروف التي أكتب بها قد تعجز في وصف مدلول الكلام بما يليق بعظمة هذا الرجل الكبير قامة و العالي قيمة و مقاماً ، والذي عاش بيننا متوضعاً وهو ينثر الفرح على رؤوسنا و الجيران ببسمته الخافتة التي تجبر أي فرد جالسه أن يشهد له بأنه من أهل الخير ، و كما أن جميع أفعاله كانت تصف جمال ونقاء سريرته النقية والمبرأة من الدنس و العيوب ، فكان سباقاً لكل مكارم الأخلاق و كما كان متفرداً بحبه للمساجد للجمع و الجماعات ، و كان معطاءً للخير الذي كان يدلقه بدون حساب على وجوه الحاضرين أمامه ، فكيف إستطيع أن أتحدث عنه بهذه الحروف البائسة التي لن تستطيع وصف جمال هذا الرجل الجميل أصلاً في الظاهر والمضمون و التي من شأنها تركيب الجمل التي قد تقرب المعاني ولكن لن تستطيع أن تصفه على وجه الدقة كما يستحق أن يوصف به ، فكيف أستطيع كتابة كلماتها و الجمل التي تتركب منها الألفاظ لتصف مضمون جمال (أبو رامي) في فن تعامله مع الجميع في كل تفاصيل حياته الدقيقة التي عاشها بيننا ، فمن أين إبتدئ وكيف أختم وماذا أقول ؟ .
أحزاننا عليك لن تنتهي يا صديقي الحبيب ، و لكن عزاؤنا أنك في رحاب أكرم الأكرمين ، في معية الأنبياء والأتقياء والصالحين ، وانت حياً لم تمت في زمرة الشهداء الذين يطوف عليهم غلمان مكرمون بآنية من فضة و هذا ما نحسبه فيك والله حسيبك .. أحر التعازي للإبناء رامي و رائد و أخواتهم و لأمهم المكلومة و لآل عتيق و لمدني الجزيرة و ود المجذوب و لجميع أهله وأخص بعزائي كل عارفي فضله من سكان كافوري و خصوصاً مربعي 6 و 7 .. و ألف رحمة ونور تنزل عليك أخي أبو رامي و انت ترتشف بيدك من الكوثر و تحفك ومن معك من الصالحين ملائكة الرحمة في أعالي الجنان يا رب العالمين وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .