((همس الحروف) .. الجريمة في السودان … إلى أين ؟!!)
☘️🌹☘️
✍️ الباقر عبد القيوم على
من روائع الأدب الإسلامي الذي حفظه التاريخ ، يحكى أن أحد العلماء مر ذات يوم في إحدى الطرقات ، فوجد صبية يلعبون ، و وجد من دونهم طفلا قد اعتزلهم وجلس بعيدا يفكر ، فظنه العالم أن بقية الصبية قد قاموا بمنعه من اللعب معهم ، أو قد يكون يتيما أو بائسا نزلت به نازلة فناداه بكل لطف و قدم له درهما ، فرده الصبي إليه شاكراً ،و قال له : يا شيخ لست بحاجة إليه ، فقال له الشيخ : يا بني إخبرني مالك لا تلعب مع رفاقك ، فقال له الصبي : و هل من أجل ذلك خُلقنا ؟ (أي من أجل اللعب)، فقال له الشيخ مندهشا و متعجباً من كلامه : ولكنك ما زلت صغيرا يا بني !! ، فقال له الصبي : نعم ولكني تأملت أن أمي عندما توقد النار دائماً وجدتها تبدأ بصغار الحطب وأخاف أن أكون أنا من صغار الحطب التي تُسعّر بها نار جهنم .
الخوف دائماً يكون من المسائل التي نحسبها صغيرة و هي تكبر أمامنا و قد لا نلقي لها بال ، و أن معدل حدوثها في إزدياد مضطرد و نحن ما زلنا نشغل أنفسنا عنها بالقشور بعيداً عن لب المواضيع التي تحتاج إلى حسم فوري ،،، فحقيقة أن الظروف الإقتصادية التي تفاجئ بها الحكومة شعبها يصورة شبه يومية جراء قراءات كانت مغلوطة تبنى عليها قرارات غير مدروسة أدت إلى تفاقم هذه الحالات ، فنجد أن التخبط السياسي قاد إلى عجز في إدارة الملف الإقتصادي و الذي بدوره ساق إلى شبه الإنفلات الأمني التي يمكن أن يدرك إذا ما إعترف الساسة بأساس المشكلة و قصورهم ، ولهذا نجد أن الحياة اليومية قد تعقدت عند جميع أفراد هذا الشعب ، حيث نجده ما زال صابراً عليها ، ظناً منه أن هذا الصبر قد يرمي في تعافي جسد الإقتصاد الكلي ، فنجدهم يقومون بربط الحزام حول بطونهم لتحقيق مزيداً من الصبر ، ولكنهم يُصدمون في اليوم الذي يليه بقرار أخر تنقطع معه الأنفاس ، حتى يئس الشعب من هذه الحياة البائسة التي تنعدم فيها جميع المظاهر الحياتية التي تفسر بأنها كريمة ،،، حيث أنها لن تحفظ آدمية الإنسان إذا ما سارت على هذا النهج المتردي ، و لقد أفرز هذا الضغط المعيشي الكثير من المظاهر السالبة التي إرتفعت معها معدلات الجريمة و خصوصاً الجريمة المسلحة .
نجد أن مؤشر معدل حالات الجريمـة التي تتم تحت تهديد السلاح في إرتفاع نسبي و خصوصاً التي تتعلق باتجاهـات حديثة لمفهوم الجريمة و حيث أنها دخلية علينا لأنها تحمل في طياتها دوافع غريبة ذات طابع إنتقامي أكثر من أنها لسد حاجة الفقر التي يعاني منها معظم منفذي هذه الجرائم ، فنجدها قد إختلفت كثيراّّ عن أنـواع الجريمـة التقليدية التي كانت تحدث في السابق
حيث برزت فيها بعض حالات القتل العمد ، و بدون مبرر ، و الذي لا يسنده دافع قوي يدعو إلى ذلك ، و كما أصبح المجرمون يستهدفون المواطنين البسطاء الذين تـنخفض دخولهم عن مسـتويات الـدخل التي يمكن أن تقدم إغراء للأشخاص المنتفعين من حدوث هذه الجرائم ، و هذا إن دل إنما يدل على ضعف أنظمة العدالة في الدولة و كما يصف ذلك عدم تناغمها مع بعضها مما قد يؤدى إلى فتح شهية منفذيها ، حيث ما زال هنالك تتباين واضح في أنظمة تحقيق العدالة من حيث الكفاءة في تنفيذ القانون و مقدرته على الإنصاف الذي يحقق المفهوم الكلي للعدالة ، و هذا ما كان ملاحظاً في بعض الأحيان إذ نجد أن الشرطة قد تنجز مهمتها كاملة في عملية وأد الجريمة وذلك بالضبط والإحضار و قد تؤيد النيابات ما جاء في دفاتر الوقائع و أوراق التحري و الإفادات و لكن نجد أن المحاكم تتباطأ في الإنجاز و البت السريعً فيطول أمد المحاكمات و صدور الأحكام حتى تضيع معظم أدوات الإثبات كسفر أو موت أحد شهود الإتهام ، أو أي مطاولات أخرى تحدث بالتقادم ، حتي يصدر الحكم ببطلان الإتهام لعدم كفاية الأدلة التي تم إعدامها بالتسويف والتأجيل حتي صدور الأحكام النهائية ، وأود أن ألفت نظر القائمين على الأمر بوجوب عمل محاكم فوريه تكون ناجزه في بلاغات هذا النهب التي تحدث بواسطه الدرجات النارية في هذه الأيام .
عدد و نوعية و بشاعة الجرائم التي حدثت فقط في الإسبوع المنصرم قد تعطي قراءة حقيقة لواقع إفرازات الأوضاع المتردية و مستقبل السودان الضبابي في الثلاث شهور القادمة إبتداءً بجريمة مقتل طالب الإسلامية ومروراً بمقتل وكيل طلمبة بترول أويل انرجي و عطفاً إلى عدد ضخم من من الجرائم ذات الصفة و الوسيلة المتشابهة في جميع إحداثياتها و التي كانت معظم أدوات تنفيذها هي الدراجات النارية التي يقودها بعض الشباب اليانعين من الذين لم ينالوا حظاً وافراً من التعليم النظامي ، حيث تم الزج بهم في نوعية هذه الجرائم التي تحمل العنف بكل أنواعه و لا تتوافق وأعمارهم ، و الملاحظ أن هدفها الأساسي هو بث الرعب أكثر من كونها جرائم ذات طابع مادي ، و نجد ذلك واضحاً في نوعية بعض الجرائم وخصوصاً تلك الجريمة الشنعاء و التي حدثت لزوجة الحاج عطا المنان إدريس القيادي السابق بالمؤتمر الوطني ، و الشيئ المؤسف في ذلك ليس وقوع هذه الجريمة في حد ذاتها ، و لكن ما تناوله النشطاء في وسائل التواصل حيث قام الكثيريين منهم بتأييد هذه الجريمة على نسق (هلال – مريخ) مما يدلل ذلك على دخول ثقافة حديثة في عقلية البعض الذين يريدون إفراغ أغبانهم التي تراكمت و وقرت في صدورهم ، و جل هذه التعليقات كانت عبارة عن أقذر أنواع التشفي و الإنتقام اللفظي ضد حزب المؤتمر الوطني في شخص زوجة هذا الرجل الذي ما زال يمكث في السجن ، إذ يعتبر هذا السلوك غريب جداً على المجتمع السوداني ، و الذي إنعكس عنه مدى الواقع المؤلم و الموسف الذي نعيشه في هذه الايام ، حيث وقف الناس في صف هذه الجريمة ضد الضحية ، و هذا ما يعيد في ذاكرتي ما حدث في العراق و سوريا و ليبيا ، فكانت البدايات هكذا ، خلاف أيدولجي و إختلاف أنظمة حكم و تصفية حسابات بين القدماء و الجدد ، و إرتياح بعض الناس إلى مثل هذه التصفية بوقوفهم مع الجريمة ضد الضحية لأنها وقعت في أرض الخصم ، وهكذا كانت بداية الانفلات التي كانت دوافعها الإنتقام أكثر من الإنتفاع بالمسروقات ، حتى حدث التعميم لذلك مما جلب عليهم حياة ثم لا يموت فيها ولا يحيى .