رأي

((همس الحروف) .. أزمة القبول العام بكليات الطب .. الدواعي و الأسباب)

☘️🌹☘️

✍️ الباقر عبد القيوم على

تابع جميع أفراد الشعب السوداني جملة الإحباط الذي أصاب الطلاب المتفوقين وأسرهم نتيجة تحرك مؤشر القبول للجامعات هذا العام فخلف كثير من الآهات والصرخات المكلومة لدى الكثيرين الذين لم يحالفهم الحظ في فرص الحصول على كراسي في الجامعات الحكومية وخصوصاً كليات الطب بمختلف تخصصاتها .

لا أحد ينكر تلك الظروف التي سبقت إمتحانات الشهادة الثانوية بدأً بعدم إستقرار العام الدراسي منذ بداية الثورة و عطفاً بكل الكوارث التي عقبت ذلك و لعبت الدور السلبي الذي حرم الطلاب من إستقرار العام الدراسي فعلبت السيول و الأمطار دوراً محورياً في تأجيل الدراسة و عقب ذلك تدخلت جائحة كرونا فأصابت العالم كله بالشلل ثم تلى ذلك كثير من الأزمات الأخري مثل الجاز و الغاز والكهرباء ، ولكن بالرغم من ذلك فقد برزت العزيمة والإرادة القوية التي جلس بها هؤلاء الطلاب في تحد واضح إستطاعوا به قهر هذه الظروف وإحرزوا درجات كانت مشرفة للغاية .

و بعد إعلان نتيجة القبول و التي إختلفت إختلافاّّ كبيراً عن ما كان مألوفاً في كل الأعوام السابقة و ذلك نتيجة إرتفاع التراكم التكراري لأعداد الطلاب الذين كانت نسبهم تفوق ال (95%) ، و الذين بلغت جملتهم (527) طالب و طالبة مما أدى ذلك لتحرك مؤشر نسب القبول ، مع العلم أن الجامعات لم تغير في سياستها تجاه القبول العام على حساب الخاص و كما لم تخصم من أعداد المقاعد الممنوحة للقبول العام و مثال لذلك فإن كلية الطب بجامعة الخرطوم لم تخصم من فرص عدد الكراسي الممنوحة للقبول العام و هي (250) كرسي ولكن تكدس الرغبات لدخول هذه الكلية كان هو السبب الرئيسي في حدوث هذه المشكلة ، حيث فرص التريشيح لها تحكمها ضوابط القبول العام حسب اللائحة التي يتم بها ترشيح الطلاب حسب ترتيب الرغبات التي سجلها الطالب في إستمارة التقديم ، ولذلك نجد أن بعض المتفوقين قاموا بتقديم رغبة أو رغبتين فقط بالإستمارة إلا أن الإختيار يأخذ بأعلى النسب الممنوحة للقبول العام ، و نتيجة لذلك التكدس حول الرغبة الواحدة لدخول هذه الكلية تحديداً نجد أن كل الكراسي الشاغرة تم ملئها من أعلى القائمة قبل وصول الإختيار الى نسبة ال95 % .

الإستخدام الخاطى لوسائل التواصل الإجتماعي يعد من أخطر الوسائل التي تهدد الأمن القومي ، حيث يقوم أصحاب الغرض ببث الشائعات التي تخصم من حالة الإستقرار العام للدولة و خصوصاً ان الدولة تمر بحالة مخاض عسير ، فنجد في بحر اليومين السابقين قد ضجت الأسافير و مواقع التواصل الإجتماعي و كثير من النشطاء بتداول بعض الأخبار المفبركة التي حاولوا عبرها النيل من وزيرة التعليم العالي د إنتصار صغيرون ، و تناولوا على لسانها أخبار لا تمت إلى الحقيقية بشيئ ، و لقد نسج هؤلاء من القصص ما تنوء بحمله الجمال و فبركوا التصريحات من أجل توصيل رسائل مغلوطة الهدف منها إثارة البلبلة ، فيجب أن يعلم الجميع أنه ليس من إختصاص وزير التعليم العالي تحديد رسوم القبول الخاص في الجامعات و كما أن الوزيرة لم تقوم بتقليل فرص القبول العام على حساب زيادة فرص الخاص ، و أيضاً لم تقوم بدعوة أحد من الطلاب أو أولياء أمورهم إلى الحضور إلى مباني الوزارة من أجل الوصول إلى حلول لهذه المشكلة التي عصفت بأميز المتفوقين في هذا العام ، لأنه ليس للوزارة أي علاقة مباشرة بمقاييس هذا التنافس الحر و الشريف والذي يتم بكل شفافية حسب هرمية و أولوية نسب النجاح التي أحرزها الطلاب ، وفقاً لجدول الرغبات التي قام الطلاب بتسجيلها في كراسة القبول و التي تؤهل إلى دخول كل الكليات .

هذه المشكلة تعد من أكبر المشكلات العصية التي هزمت أبنائنا المتفوقين ونالت من جهدهم الذي بذلوه في ميداين التحصيل الأكاديمي هذا العام ، و لعل من أبرز المعالجات التي تدور في الأذهان و يمكن أن تشكل حلول و ستجد قبولاً واسعاً و إستحساناً إذا توفرت الإمكانيات اللازمة و ستصبح حلاً قد يجبر بخواطر الكثيرين من أبنائنا المتفوقين : و هو تدخل مدراء الجامعات من أجل زيادة مقاعد القبول العام في هذه الكليات ، و لكن لن يتم ذلك إلا بشرط إذا توفر لهذه الجامعات فرص الدعم الكافي الذي يمكن به إستعياب زيادة عدد المقبولين ، بشرط وجود آلية تضمن لهم عدم ضغط الطلاب عليهم حال حدوث أي عجز في المستقبل ،و كذلك يجب توفير الدعم للإدارات المساعدة للتعليم العالي مثل صندوق دعم الطلاب الذي سيتحتم عليه توفير فرض سكن كافية لجميع المقبولين عبر مكتب القبول العام ، و في حالة عدم توفر هذا الدعم سيكون من الصعب في الوقت الحالي حدوث هذا التوافق و خصوصاً لإرتفاع نبرة الشباب الذين يسمون أنفسهم (بالجيل الراكب رأسه) في هذه الأيام بحيث يمكن أن يخلقوا بلبلة إذا قدر الله تدخل أي أمر غير متوقع في الظروف ، ولن يجدوا العذر لإدارات هذه الجامعات في سبيل إنتزاع حقوقهم بكل الوسائل المتاحة وغيرها ، و لهذا سنجد أن هنالك صعوبات كثيرة ستعيق تطبيق هذه الفكرة .

لعل هذا التدبير الرباني الذي لعبت فيه الأقدار دور القدح المعلى وذلك بتكدس الطلاب في عدد بعينه من الكليات الطبية حيث تمت المفاضلة حسب التنافس الشريف المتعارف عليه ، مما أخرج ذلك حوالي أكثر من 16 ألف طالب و طالبة من الذين كانت نسبهم أعلى أو تساوي ال(90%) و أقل أو تساوي ال(94) فأخرجت جلهم من دائرة القبول بكل كليات الطب في الجامعات العريقة أو القريبة من العاصمة و ذلك حسب اللائحة المتبعة في المفاضلة بإستمارة التقديم ، وجميع هؤلاء الطلاب يعتبرون من المتفوقين ، و لكن إرادة الله حالت دون توفر فرص إستيعابهم بكليات الطب الحكومية .

هذا العدد الضخم من الطلاب المتفوقين (16) ألف طالب و طالبة يصعب على الدولة معالجة قضيتهم بإيجاد كراسي تفي برغباتهم بالكليات الطبية ، و لعل هذا الأمر أراد الله به خيراً حتى يصرف طلابنا من (هوس إدمان) رغبات الطب حتى ييقظ الله به الناس من غفوتها وذلك بفتح عقولهم و قلوبهم إلى أبواب العلوم الأخرى التي تتوفر فرصها بكثرة و يمكن أن تستوعب الجميع بدون تكدس في رغبة واحدة ، و كما يمكن أن يخلق ذلك التنوع في الرغبات حدثاً جديداً يقوم بتغيير الأفكار التي حبست المتفوقين ينوات طوال في كليات الطب حصرياً دون غيرها ، و كما سيحدث هذا التحول في الأفكار ثورة علمية عنوانها مفارقة (كليات الطب) إلى سوح تعدد الإختيارات الأخرى الواسعة في شتى أنواع العلوم التي يمكن أن تحدث تغييراً في القيمة المضافة من الكسب الأكاديمي الذي سيسقط عن كاهل الدولة عبئاً ثقيلاً في التوظيف لخريجي طلاب الطب و تأهيلهم و تدريبهم ، و عتق أبنائنا من سجن الطب الذي يتم فيه حبس أبنائنا الطلاب طيلة بقيه أعمارهم بدون جدوى تذكر ، فعسى أن يكون هذا الأمر فتحاً ربانياً أُريد به تغيير رغبة أبنائنا النجباء من (شبح الطب) ليفتح بصيرتهم نحو العلوم الأخرى التي ستجعل منهم حسب تفوقهم الأكاديمي علماء في ميادين التخصص الآخر الذي يمكن أن يفيدهم و الدولة في آن واحد …. والله من وراء القصد .

زر الذهاب إلى الأعلى